غيرَ أنَّ مالكاً رأى هذا من باب المصالح العامَّة للفقراءِ والأغنياء، أما للفقراءِ فلعدمِ إِفادةِ دعوى النقض، وللأغنياءِ بَالتمكُّنِ من المالِ يَتصرَّفون فيه كيف شاؤوا. ولولا الوثوق بتعيُّنِ ما حكَمَ به الخارصُ كنا نَحجُرُ عليهم، لئلا يأكلوا الثمرة ويقولوا: نَقَص الخَرْص.
والقواعدُ قد تُخالَفُ لمثلِ هذا، كما ضمَّن مالكٌ حاملَ الطعامِ وإِن كان الأجيرُ أمينًا لا يَضمن، وضمَّن الصانعَ المؤثرَ في الأعيانِ بصَنْعتِه كالصبَّاغ والنسَّاج ونحوِهما؛ لأنَّ مصالحَ الناس العامَّة لا تتقررُ إِلَّا بذلك، لمبادرةِ النفوسِ لتناولِ الطعام وعِظَمِ الجُرأةِ على جَحْدِ العين إِذا تغيَّرَتْ بالصنعة.
وبهذا يَظهرُ الفرق بين ولاية الخَرْص وولايةِ التقويم ونحوها، فإِن المقوِّمَ إِذا أخطأ بالزيادة أو النقص، وجبَ الرجوعُ للحق بخلافِ الخارص، لما ذكرنا من المصالح العامَّةِ التي لا تُحقَّقُ في المقوِّم ونحوِه.
الرتبة الرابعة عشرة: ولايةٌ ليس فيها شيءٌ بلا من الحكم البتة، بل تنفيذُ مصالحَ وترتيبُها على أسبابها، فأهلُها كالقُضاة في التنفيذِ لا في الإِنشاء، كالولايةِ على قِسمةِ الغنائم، وإِيصالِ أموالِ الغائبين إِليهم، وصرفِ النفقاتِ والفروض المقدَرة لمستحقيها، وإِيصالِ الزكواتِ لأصنافها، ونحوِ ذلك مما فيه تنفيذٌ ليس إِلَّا, وليس فيه إِنشاءُ حكم آلبتة.
الرتبة الخامسة عشرة: ولايةٌ ليس فيها حكم ولا تنفيذ، كولايةِ المقوِّمِ والتَّرْجُمانِ والكاتبِ والقائف، ومَن يُوضَعُ عنده المُوَاضعةُ (١) في الإِماء إِذا
(١) المُواضَعَةُ: وَضْعُ الجاريةِ عند عَدْلٍ بطلبِ أحدِ المتبايعينِ. كما يستفاد من "المصباح المنير".