وكذلك كلُّ خَصْلَةٍ من الخِصال الخَمْس التي يُخيَّرُ فيها الإِمامُ في الأسارى: المنِّ، والفداءِ، وضربِ الجِزية، والقتلِ، والإسترقاق.
ووافَقَنا الشافعيُّ في التخيير بين الخمسة، ومنَعَ أبو حنيفة المَنَّ والفِداءَ.
وبالجملة: فاختيارُ الإِمام لأيّ خَصلةٍ اختارها من الخَمْسِ حُكمٌ بتلك الخَصلة؛ لأنه إِنشاءٌ في مختلَفٍ فيه.
أمَّا مَقاديرُ التعزيرِ فليس فيها خلاف، إِنما اتفق الناس على أنه يَتبَعُ سببَهُ في عِظَمِه وحقارتِه، وللإِمامِ أو الحاكمِ تلخيصُ ذلك السبب، فلا يقعُ فيه إِنشاءُ حُكم بتلخيصِ سببٍ وتنفيذِ حُكمٍ مجمَعٍ عليه.
وكذلك اختياره لخَصْلَةٍ من عقوبة المحارِبين إِن وُجِدَ من المحارِب القتلُ وعيَّنَ الإِمامُ القتلَ: لم يكن إِنشاءً لحاكم في مختلَفٍ فيه، بل تنفيذٌ لمجمَعٍ عليه. وإِن عيَّنَ القتلَ في محارِبٍ لم يقتُل، لِعظَمِ رأيِه ودَهائِهِ وأنَّ قَتْلَه مصلحة للمسلمين، فهذه مسألةُ خلاف:
فالشافعيُّ يَمنعُها ولا يُجيزُ قتلَ المحارب إِلَّا إِذا قَتَل، ولا قَطْعَه إِلَّا إِذا قَطَع، فتصيرُ هذه كمسألة الأسارى سواء، فتتعيَّنُ خَصلةٌ من خِصال عقوبةِ المحارِب بالقتلِ أو القطع، ويكون على هذا التقرير إِنشاءَ حكمٍ في مختلَفٍ فيه لا يجوزُ لغيره نقضُه. وكذلك تعيينُ أرضِ العَنْوَةِ للبيع، أو القسْم، أو الوقفِ، إِنشاءٌ في مختلَفٍ فيه.
النوع السابع عشر من التصرُّفاتِ: الأمرُ بقتلِ البُغَاةِ وردْعِ الطُّغاة إِذا لم يُنَفَّذْ، ليس إِنشاءً الحاكم في مختلَفٍ فيه، فلغيره إِذا اتَّصلَ به أن يَنظرَ في تحقيقِ سببه، إِلَّا أن تكون المسألةُ مختلفاً فيها، كتاركِ الصلاة، وقَتْلِ