للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخاصَّة بها عليها، فاعلَمْ أنه قد وَقَع في المذاهب مسائلُ مبنيَّةٌ على تقليدهم في وقوع الأسباب في ترتيب أحكامها الخاصة بها عليها، كما اتَّفق المالكيةُ في نقضِ البِياعات، وإِبطالِ الِإجارات، وتعطيلِ الأخذ بالشُّفُعات في أراضي العَنْوَات كمصر ومكة والعراق ونحوِها.

فقال مالك: مِصرُ فُتِحَتْ عَنْوةً فعمَدَ فقهاء المذهب إِلى إِبطال البَيعِ والشُّفعةِ والإِجارةِ في أرض مصر، بناءً على قوله: فُتِحَتْ عَنْوة؛ لأنَّ من مذهبه أن أرض العنْوَةِ لا تُباعُ ولا تُؤجرُ ولا يُستَحقُّ فيها شُفعة.

فتقليدُهم له في أنَّ بيعَها وإجارتَها والشُّفعة فيها لا تصح تقليدٌ صحيح (١)؛ لأنه تقليدٌ في الأحكام. وتقليدُهم له في أنَّ الأرض إذا فُتحَتْ عَنْوةً اقتضت هذه الأحكامَ: تقليدٌ صحيح؛ لأنه تقليدٌ في سببيّةِ سَبَب.

وتقليدُهم له في أنَّ الأخذ قهرًا وعَنْوةً وقَعَ في أرض مصر ومكة تقليدٌ لا يصح؛ لأنه تقليدٌ في وقوع سبب لا يترتّبُ عليهُ أحكامٌ عامة ولا خاصة (٢).


(١) وقعت العبارة في الأصول الخمسة كلها هكذا: (في أن بيعها لا يصح وإجارتها والشفعة فيها تقليد صحيح). وهو اتفاق عجيب! فأثبتها كما ترى.
(٢) قال المؤلف في "الفروق" ٤: ٤ - ٦ في الفرق (٢٠٣): "والقول بأن الدُّورَ وَقْفٌ إنما يتناول الدُّورَ التي صادفها الفتح، أما إذا انهدمت تلك الأبنية، وبنَى أهلُ الإِسلام دُورًا غيرَ دور الكفار، فهذه الأبنية لا تكون وقفًا إجماعًا. وحيث قال مالك: لا تُكْرَى دور مكة. يريد ما كان في زمانِهِ باقيًا من دور الكفار التي صادفها الفتح. واليومَ قد ذهبَتْ تلك الأبنية، فلا يكون قضاءُ الحاكم بذلك خطأ.
نعم يختص ذلك بالقضاء بذلك والشفعة في الأرَضِين، فإنها باقية. أو نقول: قولُ مالك - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -: إنَّ البلد الفلاني فُتِحَ عنوةٌ. ليس هذا بفتيا يقلَّدُ فيها, ولا مذهباً =

<<  <   >  >>