للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كمالِ نصاب الشهادة أو القَسَامة، فما الفرقُ بين ذلك وكونِ الأرض عَنْوَة، وإِخبارِه عن وقوعِ القهر فيها؟

فإِن قالوا: هو من باب الشهادة، فيقال لهم: إِنه - رضي الله عنه - لم يُباشِر الفتح، فلا تَصحُّ الشهادة إِلَّا بطريق المباشرة.

ولا يُمكنهم أن يقولوا: إِنَّ هذا من باب الشهادة بالسماع والإستفاضة، فإِنَّ الأصحاب قد عَدُّوا مسائلَ الشهادة بالسماعِ نحوَ سبعٍ وعشرين مسألة، ولم يَعُدُّوا هذا منها، فأين النَّقلُ الذي يُعتمَدُ عليه في أن مالكًا شَهِدَ في هذا بالسماع؟

ولا يُمكنهم أن يقولوا: حصَلَ له العلمُ بنقلِ التواتو بأنها فُتِحَتْ عَنْوة، وإِذا حَصَلَ العلمُ للشاهد جازت الشهادةُ، باشَرَ المشهودَ به أم لا، كما نَصَّ عليه صاحبُ "المقدِّمات" (١).

لأنا نقول لهم: حصولُ العلم له بعيدٌ في هذا بالتواتر، وظاهِرُ الحال يأباه، لأنه - رضي الله عنه - من أهل المدينة لا من أهل مصر، والليثُ بن سعد


(١) هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن رُشد القرطبي، الإِمام العالم المحقق زعيم فقهاء عصره وقاضي الجماعة بقرطبة، المعروف بابن رُشدٍ الجَدّ. كان إليه المفزعُ في حل المشكلات، بصيرًا بالأصول والفروع والفرائض، متفننًا في العلوم كثيرَ الدين والحياء، مقدَّمًا عند أمير المسلمين. ومن تلامذته الكثيرين النجباء: الإِمامُ القاضي عياض.
له تآليف كثيرة من أجلِّها: "البيانُ والتحصيل لما في "المستخرَجَة" من "التوجيه والتعليل"، و "المقدِّمات الممهِّدات"، لبيان ما اقتضته رسوم "المدوَّنة" من الأحكام الشرعيات، وهو مطبوع مع كتاب "المدوَّنة"، وله "تهذيب مشكل الآثار للطحاوي". ولد سنة ٤٥٠، وتوفي سنة ٥٢٠ بقرطبة - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -.

<<  <   >  >>