للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من أهلِ مصر (١)، وهو يقول: إِنها فُتِحَتْ صُلحًا لا عَنْوة، ووافَقه على ذلك جمعٌ كثيرٌ من العلماء وأهلِ التواريخِ والنقل، وأهلُ البلد أخبَرُ بحالِ بلدهم من غيرهم، فإِن يكن ثَمَّةَ تواترٌ فهُمْ أولى به.

فحيث جَزَموا بخلافه دَلَّ ذلك على أنَّ النقل لم يَصِل للتواتر عند مالك، بل إِنما وصَلَ إِليه مِمَّن يثقُ به بطريق أخبار الآحاد، فأخَبَرَ بما ظنَّه لا بما عَلِمَه.

سلَّمنا أنه حصَلَ له العلمُ، لكن يُمكن أن يقال: إِنَّ الليث أيضًا ومَنْ معه حصَلَ لهم العلمُ بطريقِ الأولى، فتتعارَضُ شهادةُ مالكٍ ومن وافقه، والليثِ بن سعد والشافعيِّ ومن وافقهما.

وإِذا تعارضَتْ البيّناتُ وجَسَرَ أحدُ الفقهاء وقال: مالكٌ أعدلُ وكذلك من وافقه، فيقال له: هل هذه المسألةُ مما يُحكَمُ فيها بأعدلِ البينتين؟ مع أنَّ مذهب المالكية أنه لا يُحكَمُ بأعدلِ البينتين إِلَّا في الأموال خاصَّة (٢)، وهذا


(١) هو أبو الحارث الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفَهْمىِ وَلاءً، أصلُه من أصبهان، ومولده في قَلْقَشَنْدَة على نحو ثلاثة فراسخ من القاهرة. كان إمامَ عصره في مصره، وهو الإِمام المحدِّث الفقيه المجتهد، قال الشافعي: الليثُ أفقهُ من مالك، إِلَّا أن أصحابه لم يقوموا به.
وقال ابن بكير: ما رأيتُ أكمل من الليث، كان فقيهَ البدن عربيَّ اللسان. وكان أحَدَ الكرماء الأجواد. ولد سنة ٩٤، وتوفي سنة ١٧٥ في مصر - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -.
(٢) وقد قال هذا أيضًا في كتابه "الفروق" ٤: ٦، في الفرق (٢٠٣) كما تقدَّم نقله تعليقًا في ص ٢٠٠. وانتُقِدَ هذا الحصرُ على المؤلف - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -. قال الحَطَّاب في "شرح مختصر خليل" ٦: ٢٠٩ "تنبيه قال القرافي في كتاب "الإِحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام": ولا يُقضَى بأعدل البينتين إِلَّا في الأموال. ونقَلَه ابن فرحون. وهو مخالف لما ذكرناه في ٢٠٨:٦ من سماع يحيى ونقَلَه ابنُ عرفة، ونصُّه: قال ابنُ عرفة: =

<<  <   >  >>