للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وصفٌ وسبَبٌ شرعي ليس من الأموال في شيء.

فإِن قالوا: إنه نقَل الشهادةَ عن غيره، فيقال لهم: مِن شَرْطِ النقلِ في الشهادة أن يأذَنَ الأصلُ للفرع في التحمُّل، فهل ثبَتَ عند حكام المالكية أنَّ المنقولَ عنه أذِنَ لمالكٍ - رَحِمَهُ اللهُ - في النقل عنه؟ مع أنه لا يجوز لحاكمٍ أن يَحكمَ بشهادةِ فرعٍ حتى يَثبُتَ عنده شروطُ التحمُّلِ وجميعُ ما يَتعلَّقُ بتلك الواقعة.

وكذلك جميعُ قضايا الحُكّام، لابُدَّ من ثبوتِ كلِّ ما يَتوقفُ عليه ذلك الحكمُ عند الحاكم بطُرُقِه، فمنه ما يُحتاجُ فيه إِلى البيّنة، ومنه ما يُكتَفى فيه بمجرَّد إخبارِ الشاهدِ الفَرْعِ. وهذه كلُّها أمورٌ مشكلةٌ فتأمَّلْها.

واعلم أنَّ هذا ليس خاصًا بمذهبنا، بل الشمافعيَّةُ لهم مثلُ ذلك في أرضِ العراق وغيرِها، فيَرِدُ عليهم ما يَرِدُ علينا.

فتأمَّلْ هذه المباحث تَتيقَّنْ أنه ليس كلِّ ما يُنقَل عن العلماء يَدخله التقليد، بل يُقلَّدون في تلك الأمور الخمسة التي تقدَّمَ تلخيصُها (١)، وما عداه لا يَدخله التقليد.

وقد تَدخله الرواية إِن كان المنقولُ عنه مِمَّن فِعلُه حُجَّةٌ أو قولُه، وقد


= ولابن رشد في سماع يحيى من الشهادات: إن شَهِدَتْ إحدى البيِّنتين بخلاف ما شَهِدَتْ به الأخرى، مثلُ أن تشهد إحداهما بعتق، والثانيةُ بطلاقِ، أو إحداهما بطلاقِ امرأة، والثانية بطلاقِ امرأةٍ أخرى، وشِبهُ هذا، فلم يختلِف قولُ ابن القاسم بهما معًا، وروايةُ المصريين بأنه تهاتُرٌ من البيِّنتين وتكاذُبٌ يُحكَمُ فيه بأعدل البينتين، فإن تكافَئَتا سَقَطتا، ورَوَى المدنيُّون: يُقضَى بهما معًا استوَيَتا في العدالة أو إحداهما أعدل. انتهى".
(١) في ص ١٩٢.

<<  <   >  >>