للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مسْألة بعيْدة الغَور معضِلة

نقَلَ الشافعية أنه سُئِلَ عنها الشافعيُّ - رضي الله عنه -، ولم أرهم نقَلُوا جوابَه فيها (١)، وهي أنَّ المقلِّدين لأرباب المذاهب يجوز أن يُصلّي بعضهُم خلفَ بعضِ، وإِن كان كلٌّ منهم يعتقدُ أنَّ مخالِفَه فَعَلَ ما لو فعلَه هو لكانت صلاتُه باطلة، كمن مَسحَ بعضَ رأسهِ، أو تَرَك البسملةَ أو التدليكَ في الطهارة، ونحوِ ذلك. وكذلك يجوز لأحدِ المجتهدِين في هذه المسائل أن يُصلّي خلفَ من يخالفُه من المجتهدين، ويُحكَى أنَّ ذلك جائزٌ إجماعًا، وأنَّ الخلافَ فيه مسبوقٌ بالإِجماع.

ثم انعقدَ الإِجماعُ على خلافِ ذلك في المجتهدين في الأواني والقِبلةِ والثيابِ المختلطِ نجِسُها بطاهرِها ونحوِ ذلك، إِذا أدَّى اجتهادُ أحدِ الشخصين إِلى خلافِ ما أدَّى إِليه الآخر: أنَّه لا يجوز تقليدُهُ له، ولا أن يُصلّي خلفَه، لأنه يَعتقدُ بطلانَ صلاته باعتبار ما خالفه فيه.

فما الفرقُ بين البابين؟ ولم يُنقَل عن الشافعي - رضي الله عنه - فيها جواب.

وأجاب بعض متأخّري الشافعية (٢) بأنَّ القِسمَ الأولَ لو مَنَعْنا الإقتداء


(١) توسع المؤلف في كتابه "الفروق" ٢: ١٠٠ - ١٠٢ في الفرق (٧٦)، بإيراد هذه المسألة والتوجيهِ فيها بما لم يذكره هنا، فتراجع فيه هناك للمستزيد.
(٢) هو شيخ المؤلف الإِمامُ عز الدين بن عبد السلام - رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى -. كما في كتابه "الفروق" ٢: ١٠٠، ولم يُصرِّح باسمِهِ هنا، لأنه سيَرُدُّ قولَه الذي نقله بعدُ، فهذا من بالغ أدبه - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - ورزقنا الأدب مع الشيوخ والآباء.

<<  <   >  >>