فيه، لأدَّى ذلك إِلى تقليل الجماعات لعمومِ مواقع الإختلاف في تلك المسائل وكثرتِها، بخلافِ القسمِ الثاني، الإختلافُ فيه نادر، فمَنْعُ الإقتداءِ فيه لا يُفضِي لذلك، وهو ضعيف، فإِنَّ مصلحة الإقتداء إِن كانت لا يُبطلها الخلافُ في الإجتهاد وجب تجويزُها في الجميع، وإِلا فيَمتنع في الجميع، ولأنه فارِقٌ وبحْثٌ لا يَشهد له شاهدٌ بالإعتبار.
والجوابُ الحقُّ أن فقه المسألة أنَّ الله تعالى شَرَع لكل فريقٍ من المخالِفين في مسألة مسحِ الرأس ونحوِها ما أدَّى إِليه اجتهادُه، وجعَلَه شرعًا مقرَّرًا في نفس الأمر، كما جعَلَ الحِلَّ في الميتةِ للمضطر، وتحريمَها على المختار: حُكمين ثابتين في نفس الأمرِ للفريقينِ بالإِجماع، وجعَلَ الله تعالى الظَّنَيْنِ في حقّ المجتهدَينِ، كَالوصفينِ من الإضطرارِ والإختيارِ في حقِّ المكلَّفينِ بالنسبة إلى الميتة.
أما المجتهدانِ في القِبلة ونحوِها فقد أجمَعا على أنَّ ثَمَّ حُكمًا معتَبرًا في نفس الأمر، وهو القِبلةُ أو الطَّهُوريَّة، وأنَّ تركه خطأٌ بإِجماع الفريقين إِذا تعيَّن، فكلُّ واحدٍ من الفريقين غلَبَ على ظنّه أنَّ مخالِفَه مخالفٌ للإِجماع، ولا يَقطَعُ باعتباره، ومَنْ غلب على الظنّ أنه مخالفٌ للإِجماع امتَنع تقليدُه إِجماعًا، ولذلك يُنقَضُ ما خالَفَ الإِجماعَ المنقولَ بأخبارِ الآحاد، أو القواعدَ، أو النَّصَّ، وإِن كان ذلك مظنونًا. فهذه قاعدةٌ انعقد الإِجماعُ على اعتبارها.
وأما في مسحِ الرأس ونحوِه إِذا غَلَبَ على ظنّ المخالِفِ أنَّ مخالِفَه خالفَ معتبرًا يَظنُّ اعتبارَه ولا يَقطُع باعتباره، فهو مُعارَضٌ بظَنٍّ آخَر قِبالتَه في اعتبار ذلك المعتبَرِ من نصٍّ أو قياس.