وما ليس له عينٌ قائمة إِلَّا أنه يُؤثّر في السُّوقِ زيادةَ رغبةٍ فيه وتنميةً للثمن: فإِنه يَستحقُّهُ ولا يَستحقُّ له حصةً من الربح، نحوُ كِراءِ الحُمولاتِ في النقلِ للبُلدانِ ونحوِه، وما لا يُؤثّر في السوقِ لا يستحقُّه، ولا يكونُ له ربحٌ كأجرةِ الطيّ والشدّ وكِراءِ البيت ونفقةِ البائع على نفسِه.
وهذا التفصيلُ لا يفيده قولُه:(بما قامَتْ على) لغةً، بل يصحُّ هذا البيعُ بهذه العبارة إِذا كان هذا اللفظُ يقتضيه عادةً، فيصيرُ الثمنُ معلومًا بالعادة فيصحُّ البيع، أمَّا اليومَ فلا يُفهَمُ هذا في العادة، ولا يَتعامَلُ الناسُ في أسواقهم بهذه العبارة فلا عادةَ حينئذٍ، فهذا الثمنُ مجهولٌ، فلا يُفتَى بما في الكتب من صحتِهِ وتفاصيله، لإنتقالِ العادة.
الحكمُ الثالث: ما وقع في "المدوَّنة": إِذا قال لامرأته: أنتِ عليَّ حرام أو خَلِيَّة أو بَرِيَّة أو وهبتُكِ لأهلِكِ: يَلزمُه الطلاقُ الثلاثُ في المدخولِ بها، ولا تنفعُه النيَّة أنه أراد أقلَّ من الثلاث (١).
وهذا بناءٌ على أنَّ هذا اللفظ في عُرف الاستعمال اشتَهر في إِزالة العصمة، واشتَهر في العَدَد الذي هو الثلاث، وأنه اشتَهر في الإِنشاء للمعنيين، وانتَقَل عما هو عليه من الإِخبار عن أنها حرامٌ، لأنه لو بقي على ما يَدلُّ عليه لغةً لكان كذِبًا بالضرورة، لأنها حلالٌ له إِجماعًا، فالإِخبارُ عنها بأنها حرام كذبٌ بالضرورة.
وليس مدلولُ هذا اللفظ لغةً إِلَّا الإِخبارَ عن أنها محرَّمة عليه، وأنَّ
(١) توسَّع المؤلف - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - في هذا البحث، في كتابه "الفروق" ٣: ١٥٢ - ١٦٣، في الفرق (١٦١) بين قاعدة ما هو صريح في الطلاق وبين قاعدةِ ما ليس بصريح فيه. فانظره إذا شئت.