للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التحريم قد دخَلَ في الوجود قَبْلَ نُطقِهِ بهذه الصيغة. وهذا كذِبٌ قطعًا، فلا بُدَّ حينئذٍ أن يقال: إِنها انتقلَتْ في العُرفِ لثلاثة أمور: إِزالةِ العِصمة، والعَدَدِ الثلاث، والإِنشاءِ، فإِنَّ ألفاظ الطلاقِ إِن لم تكن إِنشاءً أو يُرادُ بها الإِنشاء، لا تُزيلُ عصمةَ البتة (١).

وملاحظةُ هذه القاعدة هي سبَبُ الخلاف بين الخَلَف والسلف في هذه المسألة.

إِذا تقرَّرَ هذا: فأنت تعلمُ أنك لا تجدُ الناسَ يَستعملون هنذه الصِّيَغ المتقدمة في ذلك، بل تَمضي الأعمارُ ولا يُسمَعُ أحدٌ يقول لامرأته إِذا أراد طلاقها: أنتِ خَلِيَّة، ولا: وَهَبْتُكِ لأهلك، ولا يَسمَعُ أحدٌ أحدًا يَستعملُ هذه الألفاظ في إِزالة عِصمةٍ ولا في عَدَدِ طَلاقات، فالعُرف حينئذٍ في هذه الألفاظ متفِ قطعًا، وإِذا انتَفى العُرف لم يَبق إِلَّا اللغة، لأنَّ الكلام عندَ عدَم النيَّةِ والبِساط (٢).


(١) في نسخة (ر): (فإن ألفاظَ الطلاقِ مَهْمَا لم تكن ...). و (مَهْما) هنا بمعنى (إذا)، كما هو المرادُ هنا من لفظِ (إن لم تكن ...).
(٢) البِساطُ أو بِساطُ اليمين - كما ذكره السادة المالكية في باب الأَيمان - هو فيما إذا عُدِمَتْ النيَّةُ الصريحة للحالف اعتُبِر بِساطُ يمينه في تخصيص كلامه أو تقييده أو تعميمه، كما يُعمَل على النيَّة من بِرّ أو حِنثِ فيما يُنَوَّى فيه وغيرِه.
والبِساطُ: هو السبَبُ الحاملُ على اليمين. وليس هو بانتقالٍ عن النية، إنما هو مَظِنَّةٌ لها وتحويمٌ عليها، فهو متضمن للنية بل هو نيَّةٌ حُكمية ضِمنيةٌ محفوفة بالقرائن، بحيث إذا تذكرها الحالفُ وجدَهُ - أي البساطَ - مناسِبًا لها.
وضابطُهُ: صِحةُ تقييدِ يمينِ الحالف بقوله: (ما دام موجودًا). أي ذلك الشيءُ الحاملُ له على اليمين. بشرطِ أن لا يكون للحالف مدخلٌ في السبب الحامل على اليمين. =

<<  <   >  >>