للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واللغةُ لم توضع فيها هذه الألفاظ لهذه المعاني التي قرَّرها مالك في "المدوَّنة" بالضرورة. ولا يَدَّعي أنها مدلولُ اللفظ لغةً إِلَّا من لا يَدري اللغة،


= وأمثلته: ما إذا حلف: لا أشتري لحمًا، أو: لا أبيعُ في السوق. من أجل وجودِ الزحمة فيها، أو من أجل وجود ظالم حمله على الحلف. لصحة تقييد يمينه بقوله: (ما دامت هذه الزحمة موجودة) أو (ما دام هذا الظالم موجودًا). وكما لو كان خادمُ المسجد أو الحمَّام يؤذي إنسانًا كلَّما دخله، فقال ذلك الإنسان: واللهِ لا أدخلُ المسجد أو هذا الحمَّام. فإنه يصح أن يقيَّد بقوله: (ما دام هذا الخادمُ موجودًا) وكما لو كان فاسق في مكان، فقال الزوجُ لزوجته: إن دَخَلْتِ هذا المكانَ فأنتِ طالق. فإذا زال الفاسقُ منه ودخلَتْه لم يحنث، لأنه في قوَّة قوله: (ما دام هذا الفاسقُ موجودًا في ذلك المكان).
وكما لو قيل له: لحمُ البقر داءٌ كما ورد في الحديث، فلا تأكُلْ منه فإنه يؤذيك، فحلف: لا آكل لحمًا. ولم ينو تعميمًا ولا تخصيصًا. فالسبَبُ الحاملُ له على اليمين هو اللحمُ المؤذي، فيُخصَّصُ العامُّ بلحم البقر، فلا يحنث بلحم الطيرِ والضأنِ ونحوِهما.
ومثال التعميم لكلام الحالف: ما إذا مَنَّ رجلٌ على آخَرَ، فحلف الذي امتُنَّ عليه أنه لا يَشرَبُ لذلك المانِّ عليه ماءً، فإنه يحنثُ بكل شيء انتفع به منه ولو خيطًا.
بخلاف ما لو سَبَّهُ إنسان، فحلف: لا أكلمه، أو تشاجَرَ مع جاره فحلف: لا يدخل بيته، أو تنازَعَ مع زوجتِهِ أو ولدِهِ فحلَفَ أنه لا يدخل عليه دارًا، ثم زال النزاعُ بينهما، فإنه يحنث بفعل ما حَلَف على تركه، لأن له - أي للحالف - مَدْخلًا في السبب.
فالبساط هنا غيرُ نافع، كما أنه لا ينفع فيما نُجِّزَ بالفعل، كما لو تشاجرَتْ زوجتُه مع أخيه فطلَّقها، ثم مات أخوه فلا يرتفعُ الطلاق، لأن رفع الواقع مُحال. ومثلُ ذلك ما لو دخل على زوجته مثلاً فوجدها أفسدت شيئًا في اعتقاده، فنجَّز طلاقها، ثم تبيَّن له أنه لم يَفسُد، فليس هنا بساطٌ بل تنجيزٌ لطلاق لا يمكن رفعه.
انتهى ملخصًا من "الشرح الصغير" للعلَّامة الدَّرْدِير بحاشية الصَّاوِي ١: ٣٨١ و "شرح الخَرْشي لمختصر خليل" بحاشية العَدَوِي ٣: ٦٩.

<<  <   >  >>