للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجواب بعبارةٍ أخرى، ولا يُشبِّه جوابَه بجوابِ من تقدَّمه أصلًا.

وأرفَعُ مِن ذلك وأبعَدُ عن التواضع أن يقول: الجوابُ صواب، أو الجوابُ صحيح. وهذا لا يُستعمَلُ إِلَّا لمن يَصلُحُ للثاني أن يُجيزَه في الفُتيا أو يُزكِّيه في قوله، وأن يكون معه في معنى التلميذِ والتَّبَع، لأنه أظهرَ أنَّ جوابَ السابقِ في صورةِ من يَشهدُ له هو بالصحة أو بالصواب من جهة الثاني، وهذه أدنى الرُّتَب لخلوّ اللفظِ عن التعظيم بالكلية، هذا من حيث اللفظ.

وأما من حيث الموضع الذي يَكتبُ فيه، فإِن اتَّضعَ كتَبَ خَطَّهُ تحتَ خطّ الأول، وإِن ترفَّعَ كتَبَ قِبالتَهُ في يمين الخطّ أو شِماله، وكذلك الجهةُ اليُمنى أشرَفُ من الجهة اليُسرى (١)، فالمتواضعُ يَضَعُ في اليُسرى، والذي لا يَقصِدُ التواضعَ ويقصِدُ التعظيمَ يَضَعُ في الجهةِ اليُمْنَى، لكونها يُمنى.

وينبغي للمفتي: متى جاءته فُتيا وفيها خَطُّ من لا يَصلحُ للفُتيا، ألا يَكتبَ معه، فإِنَّ كتابتَه معه تقريرٌ لصنيعه، وترويجٌ لقوله الذي لا ينبغي أن يُساعَدَ عليه وإِن كان الجوابُ في نفسه صحيحًا. فإِنَّ الجاهل قد يُصيب، ولكنَ المصيبةَ العظيمةَ أن يُفتيَ في دينِ الله مَنْ لا يَصلحُ للفتيا، إِما لقِلَّة علمِه، أو لقلَّةِ دينه، أوْ لهما معًا.


(١) قلت: هكذا كان العرف في زمن المؤلف - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -، تفضيلُ الجهة اليُمنى على الجهة اليُسرى، تبعًا للتوجيه الشرعي النبوي في كل عمل شريف، وانعكس الحالُ اليوم! فصارت الجهةُ اليسرى أشرفَ من اليمنى! ولعله من تقليد المسلمين غيرَهم الذين يبدأون كتابتهم من اليسار، فتكونُ الجهة اليُسرى لديهم أشرف! فإنهم عندهم - إذ يبدأون بها - بمثابة اليمين التي نبدأ بها.

<<  <   >  >>