ولا ينبغي للمفتي: أن يَكتب في الفُتيا ما لا تدعو حاجةُ المستفتي إليه، فإِنَّ الورق مِلكُه، ولم يأذن في الكتابة فيه إِلَّا بما تتعلَّق به مصلحتُه، وغيرُ ذلك يَحرمُ فلا يزيدُ عليه، إِلَّا أن تَشهدَ العادةُ بالزيادة اللطيفة فيكون مأذونًا فيها عادةً، نحوُ قولِ المفتي في آخرِ فُتياه:(والله أعلم)، ونحوَ ذلك.
ولا ينبغي: أن يضَعَ هذه اللفظةَ ونحوَها إِلَّا ناويًا بها ذِكرَ الله تعالى، فإِنَّ استعمالَ ألفاظِ الأذكارِ لا على وجهِ الذكر والتعظيمِ لله تعالى قلَّةُ أدبٍ مع الله تعالى، فيُنهَى عنه، بل يَنوي به معناه الذي وُضِع له لغةً وشرعًا.
وإِذا وَجَدَ في الفتيا خطأ مُجمَعًا عليه أو مختلَفًا فيه، فإن كان المفتي به مذهَبُهُ يقتضِي أنه خطأ فهو منكَرٌ تجبُ إِزالته وإِن كَرِه رَبُّ الفُتيا، لأنَّ الفتيا بخلافِ الاعتقاد حرام. وإِن كان مذهَبُ المفتي يقتضِي صِحَّتَه، وهو لا يجوزُ التقليدُ فيه لكونه على خلاف القواعدِ، أو النصوصِ، أو القياسِ الجليّ السالمِ كلِّ ذلك عن معارضٍ راجحٍ عليه، فهو منكَرٌ أيضًا تجبُ إزالتهُ. وإِن كان مما يَجوزُ التقليدُ فيه لا يَتعرَّض له وإن كان على خلافِ مذهبه.
وينبغي له: إذا وجدها منكرةً على أحدِ الوجوه، وعلِمَ أنَّ كاتبها إِذا سُيِّرتْ إِليه لا يسوؤه ذلك، وأنه يُغيرُها مع سلامةِ القلوب عن الأحقاد: فلْيَبعث بها إليه فهو أستَرُ له وأحفَظُ لعِرْضه، لئلا تَنتشرَ، أو يَقفَ عليها حاسدٌ أو عدوٌّ، فيَجدَ بذلك السبيلَ لغَرَضِه، وحسْمُ مادَّةِ الفسادِ من أوَّلها أولى. وإِن كان خَلَلًا من جهة سبقِ القلم أو نقصِ بعضِ الحروف فليُصلحْه هو بيده ولا يَبعثْ به إِليه، جمعًا بين مصلحة الفُتيا وحفظِ قلبِ كاتبها عن الألم وتعجيلًا لزوالِ المفسدة.