وقال الإِمام ابن القيم - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - في آخر "إعلام الموقعين" ٤: ٢٢٢، في الفصل الذي عقده لفوائد تتعلق بالفتوى: "الفائدةُ التاسعةُ والثلاثون: لا يجوز للمفتي تتبع الحِيَل المحرَّمةُ والمكروهة، ولا تتبع الرُّخَص لمن أراد نفعَه، فإنْ تتَبع ذلك فُسِّقَ، وحَرُمَ استفتاؤه، فإن حَسُنَ قصدُه في حِيلةِ جائزة لا شبهة فيها ولا مفسدة، لتخليص المستفتي بها من حرجِ جاز ذلك، بل استُحبَّ، وقد أرشد الله نبيه أيوب - عليه السلام - إلى التخلص من الحِنث بأن يأخذ بيده ضِغْثاَ فيَضربَ به المرأةَ ضربةً واحدة. وأرشد النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بلالاً إلى بيع التَّمْر بدراهم، ثم يشتري بالدراهم تَمْراً آخر، فيتخلَّصُ من الربا. فأحسَنُ المخارج ما خَلَصَ من المآثم، وأقبَحُ الحِيَل ما أوقع في المحارم، أو أَسقَط ما أوجبه اللهُ ورسولُه من الحقِّ اللازم، والله الموفق للصواب". انتهى. وما في "حلية الأولياء" لأبي نعيم ٣٦٧:٦، في ترجمة (سفيان الثوري): "كان سفيان الثوري يقول: إنما العلم عندنا الرُّخَصُ عن الثقة، فأمَّا التشديدُ فكلٌّ يحسنه". انتهى. فالظاهرُ أنه يعني به المَخْرَجَ المستنِدَ إلى دليل شرعي، والله أعلم. ومن لطيف ما يُذكَر في جنب الترخص: ما قاله الإِمام ابن الجوزي - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - عن نفسه، في كتابه "صيد المخاطر" ٢: ٣٠٤، وقد ترخص في بعض الأمور: "ترخَصتُ في شيء يجوزُ في بعض المذاهب، فوجدتُ في قلبي قسوةَ عظيمة، وتخايَلَ في نوعُ طَرْدِ عن البَاب، وبُعْدٌ وظُلمةٌ تكاثَفَتْ. فقالَتْ نفسي: ما هذا؟ أليس ما خرجتَ عن إِجماع الفقهاء؟ فقلتُ لها: يا نفسَ السوء! جوابك من وجهين: أحدُهما: أنك تأوَلتِ ما لا تعتقدين، فلو استُفتِيتِ لم تُفتِي بما فَعَلْتِ. قالت:=