وينبغي ألا يُصغِيَ بإذنه للناس في الناس، فيفتَحَ على نفسه بذلك شرّاً عظيماً، وتَفسُدَ عقيدتُه في أهل الفضل البُرَءاء مما قيل فيهم عنده. وينبغي أن يتخذَ من يُخبره بما تقولُ الناس في أحكامه وأخلاقه وسيرته، فإذا أخبره بشيء فحَصَ عنه، فإنَّ في ذلك قوَّةَ على أمره. ٥ - ومنها: ألا يجلسَ على حالِ تشويشِ من جُوع أو شبع أو غضب أو همّ، لأنَّ الغضبَ يُسرع - أي يَشتذُ ويقوى - مع الجوع، والفهم ينطفئُ مع الشبع، والقلبَ يشتغلُ مع الهم. وينبغي له أن لا يتضاحك في مجلسه، ويَلزمُ العبوسةَ من غير غضب، ويَمنع مِن رفعِ الصوت عنده. ولا يكثر من القضاء جداً حتى ياخذه النعاس والضَّجَر، فإنه إذا عَرَض له ذلك ربما أحدث ما لا يَصلح. وقد قال مالك - رضي الله عنه - لرجلِ كان يقضي بين الناس في المدينة: لا تكثِر فتُخطئ. ٦ - ومنها: أن يَجعلَ للرجال مجلساً وللنساء مجلساً إذا كانت حكومة كل نوع مع نوعه، فإذا اجتمعت الرجالُ والنساء في مجلس واحد لخصومة عرضَتْ لهم، أفرَدَ لهم مجلساً، أو جعَلَ مواعيدَ قضايا الأزواج والنساء في وقتِ لا يزدحم فيه المراجعون والمتقاضون، سَتْراً لأحوال الناس وحُرَمهم. ويلزم القاضي في سيرته في الأحكام أمور: ١ - منها: ألا يقضيَ حتى لا يَشُكَّ أن قد فَهِم، فأما أن يَظن أنْ قد فَهِم ويَخاف أن لا يكون فَهِم لما يجد من الحَيْرةِ فلا ينبغي أن يقضي بينهما وهو يجدُ ذلك. ٢ - ومنها: أن القضية إذا كانت مشكلة فيكشِف عن حقيقتها في الباطن، ويستعين بذلك على الوصول إلى الحق. وقد أجاب الشيخ أبو عبد الله بنُ عَتَّاب بعضَ الحكام في قضية أشكلَتْ بأن قال: ووَجْهُ الخلاص في هذا على ما كانت القضاة تفعله في شِبهِ ذلك أن تكشِفَ في الباطن عن ذلك، فإذا انكشف لك أمرٌ اجتهدتَ على حسب ما انكشف لك، وفعلتَ ما يجب في ذلك، فقد كانت القضاةُ - رَحِمَهُمْ اللهُ تَعَالَى - =