للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= يستعينون بالكشف عن باطن القضية، ولا يَخرجون في ذلك عن الواجب.
٣ - ومنها: ما قال مالك - رضي الله عنه -: لا يُفتي القاضي في مسائلِ القَضاء، وأما في غير ذلك فلا بأس به. وكان سحنون - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - إذا أتاه رجل يسأله عن مسألة من مسائل الأحكام لم يُجبه وقال: هذه مسألةُ خُصومة.
٤ - ومنها: إذا أَشكَلَ عليه كلامُ الخصمين فيأمرهما بالإِعادة حتى يَفهم عنهما، وقد يَفهمُ عنهما ويشكِلُ عليه وجهُ الحكم، وهذا هو معنى قولهم: إذا أَشكل على القاضي حُكمٌ تركه، ولا يحل له الإِقدام عليه باتفاق. ثم للقاضي حينئذٍ أن يُرشدهما للصلح، فإن تبيَّن له وجهُ الحكم فلا يعدل إلى الصلح، وليقطَعْ به.
فإن خشي مِن تفاقم الأمر بإنفاذ الحكم بين الخصمين، أو كانا من أهل الفضل، أو بينهما رَحِمٌ: أقامهما وأمرَهُما بالصلح، قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: رَدَّدُوا القضاءَ بين ذوي الأرحام حتى يصطلحوا، فإنَّ فَضلَ القضاء - يعني بينهم - يُورِثُ الضغائن. وقال بعضهم: قولُ عمر هذا محمولٌ على أنه إنما يجب أن يُرَدَّدَهما، ما لم يجب الحقُّ لأحدهما، فإذا وجب الحق لأحدهما فلا ينبغي للقاضي أن يؤخِّر إنفاذَه.
٥ - ومنها: أن لا يقضيَ إلَّا بحضرة أهل العلم ومَشُورتهم. لأنَّ الله تعالى قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}. قال الحسن البصري: كان - صلى الله عليه وسلم - مستغنياً عن مُشاورتهم ولكنه أراد أن تصيرَ سُنَّةً للحكام. قال أشهب: إِلَّا أن يخافَ المضرَّة من جلوسِهم، ويَشتغلَ قلبُه بهم وبالحَذرِ منهم، حتى يكون ذلك نقصاناً في فهمه، فأحَبُّ إليَ أن لا يجلسوا إليه. قال سُحنون: لا ينبغي للقاضي أن يكون معه في مجلسه من يَشغله عن النظر، سواء كانوا أهلَ فقه أو غيرَهم، فإنَ ذلك يُدخل عليه الحَصَرَ والإهتمامَ بمن معه، ولكن إذا ارتفع عن مجلس القضاء شاوَرَ.
ويلزم القاضي في سيرته مع الخصوم أمور:
١ - منها: أنه إذا حَضَر الخصمانِ بين يديه فليُسوِّ بينهما - وإن كان أحدُهما ذمياً - في النظر إليهما والتكلمِ معهما، ما لم يتعدَّ أحدُهما فلا بأس أن يَسوءَ نظرُهُ إليه تأديباً له، ويرفَعَ صوتَه عليه لما صَدَر منه من اللَّدَد ونحوِ ذلك، وهذا إذا عَلِمَ الله تعالى =

<<  <   >  >>