ويَحضُّهما عند ابتداء المحاكمة على التؤدة والوقار، ويُسكِّنُ جأشَ المضطرب منهما، ويؤمنُ رَوع الخائف والحَصِرِ في الكلام حتى يذهب عنه ذلك. ولا يُقبِلُ عليه دون خصمه، ولا يميلُ إلى أحدهما بالسلام فيخصُّه به ولا بالترحيب، ولا يَرفعُ مجلسَه، ولا يَسألُ أحدَهما عن حاله ولا عن خبره، ولا عن شيء من أمورهما في مجلسهما ذلك، ولا يُساررهما جميعاً ولا أحدهما، فإن ذلك يُجزئهما عليه ويُطمِعُهما فيه، وما جَرَّ إلى التهاونِ بحدودِ الله تعالى فممنوع. وإذا سلَّمَ عليه خصمانِ لم يَزد على أن يقول: عليكم السلام، فإن زاد أحدُهما في ذلك لم يَزد القاضي على ردّ السلام شيئاً. وله أن يَشُدَّ عضدَ أحدهما إذا رأى منه ضعفاً، أو يراه يَخافُهُ لينشَطَ وينبسط أملُه في الإِنصاف. ٢ - ومنها: أنه يحكمُ بين الخصوم فيقدمُ المسافرين والمضرورين ومن له مُهمٌّ يَخافُ فواتُه. وينبغأنه أن يُسهّلَ إذنَ البينات ولا يَمطُلَهم فيتفرقوا فيعسُر جمعُهم، وربما أدَّى ذلك إلى ضَجَر صاحب الحق، فيترك حقَّه أو بعضَه بالمصالحة عنه، لما يدركه من المشقة، فإذا حضروا آنَسَهم وقرَّبهم وبَسَطهم وسألهم عن شهادتهم، فإذا كانت تامَّة قيَّدها، كان كانت ناقصة سألهم عن بقيتها، وإن كانت مجملةً سألهم عن تفسيرها، وإن كانت غيرَ عاملةِ - أي غيرَ مُجديةِ مفيدة على تقدير صحتها - أعرض عنها إعراضاً جميلاً، وأعلم المدَّعي أنه لم يأت بشيء. ٣ - ومنها: إذا شَتَم أحدُ الخصمين صاحبَه زجره، ولا يَحِلُّ له تركُه لأنَّ الحقَّ فيه لله تعالى، لأنَّ السبابَ انتهاكٌ لحرمة مجلس القاضي والحكم، وليس تكذيبُ أحدهما للآخر من السباب ولو كان بصيغةِ كَذَبْتَ وشِبهها. ٤ - ومنها: أنه ينبغي له موعظةُ الخصمين وتعريفُهما بأن من خاصم في باطل فإنه خائض في سخط الله تعالى، ومن حلَفَ لِيقتطعَ مالَ أخيه بيمينِ فاجرة فليتبوَّأ مقعدَه من النار. ويعظُ الشهودَ أيضاً، رُوي عن شُرَيح أنه كان يقول لمن يشهد عنده: إنما يَقضِي على هذا المُسْلِم أنتما بشهادتكما، وأني متقٍ بكما النار، فاتقيا الله والنار. =