فإن لم ينكشف له ما يقدَحُ في دعواه فحسَنٌ أن يتقذَم إليه بالموعظة إن رأى لذلك وجهاً، ويُخوَّفُه الله سبحانه، ويذكُرُ قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}. فإن أناب وإلا أَمضَى الحكمَ على ظاهره، كان تزايدت عنده بسبب الفحص عن ذلك شبهة فليقِفْ، ويوالي الكشف ويُردَّدُهُ الأيامَ ونحوَها، ولا يُعجَّلُ في الحكم مع قوة الشبهة، وليجتهد في ذلك بحسب قدرته، حتى يتبيَّن له حقيقةُ الأمر في تلك الدعوى أو تنتفي عنه الشبهة". انتهى. ومن أخلَص لله هداه الله. {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} " انتهى كلام القاضي ابن فرحون - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -. وأختم هذه الجُمَل النافعة بفوائد غالية نفيسة، تتعلق بمسائل هامة تَعرِض للقاضي والمفتي، تعرّض لها إمام من أئمة السادة الحنفية، وهي: كيف يعمل القاضي - وكذلك الفقيه بفتواه لنفسه - إذا تغير اجتهاده في المسألة الواحدة مرتين أو ثلاثاً؟ وكيف يعمل المستفتي إذا أُفتِي برأي ومَضَى في تنفيذه، ثم أُفتِيَ من عالم غير الأول برأي مخالف له؟ وكيف يعمل المَقْضِي عليه والمَقْضِي له إذا كانا من أهل الإجتهاد وتخالَفَ رأيُهما ورأيُ القاضي في المسألة؟ وكذلك المقلِّدُ إذا اختلفت عليه الفتوى والقضاء فبأيهما يعمل؟ قال الإِمام علاء الدين الكاساني الحنفي في كتابه "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" ٧: ٥ - ٦ في باب القضاء: "وإن قَضَى القاضي في حادثة - وهي محلُّ الإجتهاد - برأيه، ثم رُفِعَتْ إليه ثانياً فتحؤَلَ رأيُه، يَعمَلُ بالرأي الثاني، ولا يُوجِبُ هذا نقضَ الحكم بالرأي الأول، لأنَّ القضاء بالرأي الأول قَضَاءٌ مجمَع على جوازِه، لإتفاقِ أهل الإجتهاد على أن للقاضي أن يقضِيَ في محل الإجتهاد بما يؤدي إليه اجتهادُه، فكان هذا قضاءً متفَقَاً على صحته، ولا اتفاقَ على صحة هذا الرأي الثاني فلا يجوز نقضُ المجمَع =