ولهذا لا يجوز لقاضِ آخَرَ أن يُبطِلَ هذا، القضاء، كذا هذا، وقد رُوي عن سيدنا عمر - رضي الله عنه - أنه قَضَى في حادثة، ثم قَضَى فيها بخلافِ تلك القضية، فسُئِلَ؟ فقال: تلك كما قضينا وهذه كانقضي. ولو رُفِعَتْ إليه ثالثاً فتحوَّلَ رأيُه إلى الأوَّل يَعمَلُ به، ولا يَبْطُلُ قضاؤه بالرأي الثاني بالعمل بالرأي الأوَّل، كما لا يَبْطُلُ قضاؤه الأول بالعمل بالرأي الثاني لما قلنا. ولو أنَّ فقيهاً قال لامرأته: أنتِ طالق البتة، ومِن رأيه أنه بائن، فأمضى رأيَه فيما بينه وبين امرأته، وعزَمَ على أنها قد حَرُمَتْ عليه، ثم تحوَّل رأيُه إلى أنها تطليقةٌ واحدةٌ يَملِكُ الرجعة، فإنه يَعمَلُ برأيه الأول في حق هذه المرأة وتَحْرُم عليه، وإنما يَعمَلُ برأيه الثاني في المستقبل في حقّها وفي حق غيرها، لأنَّ الأوَّل رأيٌ أمضاه بالإجتهاد، وما أُمضِيَ بالإجتهاد لا يُنْقَضُ باجتهادِ مثلِه. وكذلك لو كان رأيُه أنها واحدةٌ يملِكُ الرجعة، فعزَمَ على أنها منكوحةٌ - أي ما تزالُ في عصمته وله مراجعتُها -، ثم تحؤَل رأيُه إلى أنه بائن، فإنه يَعمَلُ برأيه الأول، ولا تحرُمُ عليه لما قلنا. ولو لم يكن عزَمَ على الحرمة في الفصل الأول، حتى تحوَّلَ رأيُهُ إلى الحل لا تَحرُمُ عليه، وكذا في الفصل الثاني لو لم يكن عزَمَ على الحل حتى تحوَّلَ رأيُه إلى الحرمة تَحرُمُ عليه، لأنَّ نفسَ الإجتهاد محلُّ النقض، ما لم يَتَّصِلْ به الإِمضاء واتصالُ الإِمضاء بمنزلة اتصال القضاء، واتصالُ القضاء يَمنع من النقض، فكذا اتصالُ الإِمضاء. وكذلك الرجلُ إذا لم يكن فقيهاً، فاستَفتَى فقيهاً فافتاه، بحلالِ أو حرام، ولو لم يكن عزَمَ على ذلك حتى أفتاه فقيهٌ آخرُ بخلافه، فأخَذَ بقوله وأمضاه في منكوحته، لم يَجُزْ له أن يَترك ما أمضاه فيه ويَرجعَ إلى ما أفتاه به الأول، لأن العمل بما أَمضَى واجب، لا يجوز نقضُه مُجتهِداً كان أو مقلِّداً، لأنَّ المقلّد متعبَّدٌ بالتقليد، كما أن المجتهِدَ متعبَّدٌ بالإجتهاد، ثم لم يَجُزْ للمجتهِدِ نَقْضُ ما أمضاه، فكذا لا يجوز ذلك للمقلِّد. =