للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وينبغي للمفتي: إذا جاءته فُتيا في شأنِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو فيما يَتعلَّقُ بالرُّبوبيّه، يُسالُ فيها عن أمور لا تَصلحُ لذلك السائل، لكونه من العوامّ الجلْف، أو يَسألُ عن المعضِلاتِ ودقائقِ أصول الدِّيانات، ومُتشابِهِ الآيات، والأمورِ التي لا يخوض فيها إِلَّا كبارُ العلماء، ويَعلمُ أنَّ الباعثَ له على ذلك إِنما هو الفراغُ والفضولُ والتصدّي لما لا يَصلحُ له:

فلا يُجيبُه أصلاً (١)، ويُظهِرُ له الإِنكارَ على مثلِ هذا، ويقول له:


= يُخالفُ رأيَ المَقْضِيّ عليه أو له، فهو على ما ذكرنا من الإتفاق والإختلاف. وكذلك المقَلِّدُ إذا أفتاه إنسان في حادثة، ثم رُفِعَتْ إلى القاضي فقَضَى بخلاف رأي المفتي، فإنه يأخذ بقضاء القاضي، ويَترُكُ رأيَ المفتي، لأنَّ رأيَ المفتي يصير متروكاً بقضاء القاضي، فما ظَنُّك بالمقلد؟ " انتهى كلام الإمام الكاساني - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -.
(١) كأن يَسأل: كيف هبط جبريل؟ وعلى أي صورة رآه النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ وحين رآه على صورة البشر هل بقي ملَكاً أم لا؟ وأين الجنة والنار؟ ومتى الساعةُ ونزولُ عيسى - عليه السلام -؟ وإسماعيلُ أفضلُ أم إسحاق؟ وأيهما الذبيح؟ وفاطمةُ أفضلُ من عائشة أم لا؟ وأبوا النبي - صلى الله عليه وسلم - كانا على أيّ دين؟ وما دينُ أبي طالب؟ ومَنْ المَهْدِي؟ إلى غير ذلك مما لا حاجةَ بالإِنسان إليه، ولا ينبغي أن يَسأل عنه لأنه ليس تحته عَمَل، ولا تجبُ عليه معرفتُه، ولم يَرد التكليفُ به. كما ذكره العلَّامة ابن عابدين في حاشيته "رد المحتار على الدر المختار" ٥: ٤٨٠ - ٤٨١.
وقد أرشد ابن عباس - رضي الله عنه - مولاه عكرمة إلى قاعدة هامة في أمر الفتوى حين أمَره أن يفتي الناس، فقال له: "انطلق فأفتِ الناس وأنا عون لك، فمن جاءك يسألك عما يَعنيه فأفته، ومن سألك عما لا يَعنيه فلا تُفته، فإنك تَطرَحُ عنك ثُلُثَيْ مَؤُنةِ الناس". ذكره الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" ٧: ٢٦٥ في ترجمة عكرمة.
وقال القاضي إياس بن معاوية: من المسائل ما لا ينبغي للسائل أن يَسأل عنها، ولا للمسؤول أن يُجيبَ فيها. ذكره ابن خلكان في كتابه "وفيات الأعيان" ٢: ٤١٩، في =

<<  <   >  >>