ثم لمَّا ضَعُفَتْ النفوس، وشُغِلَت بمُتَع الحياة الدنيا وزخرفها، رأى بعض الفقهاء ومنهم المالكية: أن الإِذن يُكرَهُ قبلَ الحربِ أو في أثناء القتال، خوفاً من أن تُشغَل هذه النفوس بالسَّلَب، فينصرفوا عفا خرجوا لأجله، فيكون قتالهم لأجل هذا السَّلَب.
هذا ما وقفتُ عليه في أمهات كتب المالكية، وقد سَبَق أن ذكرتُ لسيادتكم في رسالتي السابقة أنَّ هذا الِإذن ليس خاصاً بعهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما هو متروك للإِمام أو نائبِه في أي عصر، كما ذكرتُ أيضاً أنه ليس لغير الإِمام أو نائبه أن يأذن في ذلك.
ومن هذا يُعلم أن نَقْلَ القرافي صحيح، متفِقٌ مع المذهب، من أن الإِعلام يكونُ قبلَ بدءِ القتال، حينما كانت النفوس صافية، لا يُلهيها مالٌ ولا ولد عن نُصرة الدين والقتالِ لأجله، حتى إن بعض الصحابة لا يهمه أن تقتُلَ أباه الكافر أو ابنَه كذلك، لأنَّ الِإيمان عند هؤلاء كان أغلى وأبقَى من رابطةِ النَّسَبِ والقُربَى.
ثم لقَا ضَعُفَتْ النفوس وشُغِلت بمَتَاع الحياة من مالي وسلاح، خِيفَ أن يكون الإذنُ قبلَ الحرب داعياً إلى قتالهم لأجل هذا السَّلَب. وعلى كلِّ فالتملُّكُ للسَّلَب بعدَ انتهاء الفتال، إذْ لا يُعقَلُ أن يكون قبلَ الحرب. والله أعلم.
الحمدُ لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
كتبه بخطه الفقيرُ الراجي عفوَ ربه وحُسنَ ختامِه، تحريراً في ٢٣ من جمادى الأولى ١٣٩٨، الموافق ١/ ٥/ ١٩٧٨.
صالح موسى شرف
عضو جماعة كبار العلماء وأستاذ بالدراسات العليا في كليات الجامعة الأزهرية الإِسلامية والعربية.
ورأيتُ بعدَ هذه الإِجابات الثلاث ممن سَمَيتُ من فضلاء علماء السادة المالكية: أن أنقُلَ طائفة من النصوص من كتب فقه السادة المالكية، لاستكمال الوقوف على هذه المسألة، مكتفياً بثلاثة نصوص من كثير نحوِها، فإن كتب المذهب المالكي بالمتناول لمن أرادها.