نَحمَدُه سبحانه وتعالى ونشكره على فضله ونَعْمائه الجزيلة، التي لا تُحصَى ولا تُعَد، ونصلي ونُسلم على سيدنا ومولانا خاتم الأنبياء والمرسلين، محمدِ بن عبد الله الذي أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحابته ومن تَبعَ هديَه إلى يوم الدين.
وبعد، فإلى صاحب الفضل والفضيلة، العالم الجليل، الذي وهبه الله علماً نافعاً وقلباً خاشعاً، ونوراً ساطعاً، وبسطةَ في العلم، الإِمام الجليل الشيخ عبد الفتاح أبي غدة، أكتبُ هذه الرسالة، رداً على رسالته فأقول وبالله التوفيق: وعليكم سلام الله ورحمته وبركاته.
لقد وصلتني رسالتكم الكريمة، المؤرَّخَة في ٩/ ٥/ ١٣٩٨، رداً على رسالتي التي حَمَّلتُها لابننا وتلميذنا الشيخ فؤاد البَرَازي، الذي بلغني عن سعة علمكم في المعقول والمنقول الشيءَ الكثير.
أمَّا من خاصَّةِ مما جاء في كتاب القرافي، نقلاً عن إمامنا الجليل الإِمام مالك - رضي الله عنهما - ونفعنا بعلمهما، فإنَّ عبارته سليمةٌ لا غبار عليها، وقولَه في النَّفَل:(لا يجوزُ لأحدٍ أن يختص بسَلَبٍ إِلَّا بإذن الإِمام في ذلك قبلَ الحرب ...) إلى آخره، معناه أنه لا يجوز لغير الإِمام أن يَأذن قبلَ الحرب باختصاص سَلَب القتيل.
فقولُه:(قبلَ الحرب) ليس متعلقاً باختصاص السَّلَب، وإنما هو جار ومجرور، متعلقٌ بإذن الإِمام، ويكون معنى العبارة أنَّ للإِمام أن يأذن قبلَ بدءِ القتال بأنَّ من قَتَلَ قتيلاَ فله سَلَبُه، فالإِعلامُ لا يكون إِلَّا من الإِمام - ومثلُهُ نائبُه - قبل الحرب.
وأمَّا تملكُ السَلَب والإختصاصُ به يكونُ بعدَ انتهاء القتال، هكذا كان يَفعلُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابتُهُ مِن بعدِه، لعلمهم أن المقاتلين في هذا العهد لم تَشغلهم الأموال ولا الأولاد عن الجهاد في سبيل الله، لتكونَ كلمةُ الله هي العليا، فكان إذنُ الإِمام قبلَ الحرب بأنَ من قتَل قتيلاً فله سَلَبُه (١)، لا يَصرفُهم عما خرجوا لأجله، من
(١) تُفيدُ عبارةُ الشيخ هنا أن الِإذن من النبي - صلى الله عليه وسلم - بسَلَب القتيل لقاتله صَدَر قبلَ القتال، وهو خلاف الواقع، إنما كان بعد القتال كما في حديث أبي قتادة وشرحِهِ في قصة حُنَين، في فتح الباري ٦: ٢٧٤، وشرح صحيح مسلم ٥٨:١٢.