للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ودرجاتِها، وتختلفُ درجاتُها جداً في كلِّ قطعة بحسب وظيفتها، فقطعةُ الفولاذ متى أُحمِيَت في النار حتى الإحمرارِ تنفأ سِقَايتُها وتَفقِدُ قساوتَها ومُرُونتَها، وبعدَ أن تُطَرَّق وهي حمراء لتاخذ شكلها المطلوب تُطفَأ بالماء - تُسقَى -، فتَقْسُو حتى لا يَعملَ فيها المِبرد (١).

ففي النوابض مثلاً (الزنبرك) يجب أن تكون قساوتُهُ لأجلِ مُرونتِهِ ذاتَ درجة معينة. فإذا زادت أو نَقَصت لا يَعمَلُ عمَلَه المطلوب بصورة منتظمة. وسِقايةُ الفولاذ يَختلِفُ تأثيرُها جداً بحسب درجةِ حرارة القطعة المُحمَاة حين تُغمَسُ في الماء، وبحسب غَمْسِها كلِّها بسُرعةٍ أو تدريجياً، وبحسب كونها تُسقَى بالماء أو بالزيت.

وقد أخبرني يوماً فا أن أقسى أنواع الفولاذ ما يُسمَّى (فُولاذَ الهوَاء)، وهو نوع إذا أُحمِيَ في النار حتى احمر أو ابيض فانفكت سِقايتُه، وأُخرِجَ من النار ليُمكِنَ العملُ فيه بالطَرق ليُصنَعَ بالشكل المطلوب، فإنه بملامسة الهواء يُسقَى ويقسو دون أن يُغمَس بالماء أو الزيت. فصُنْعُ الأدواتِ والآلاتِ الفولاذية القاسيةِ جداً من هذا النوع، هو صعبٌ جداً ويَحتاجُ إلى خِبرة ووسائل فنية وتِقَانَةٍ (٢) عاليةِ المستوى.


(١) الفولاذ، ويسمى في الإصطلاح العلمي: (الصُّلْب) يتكون من مَعدِن الحديد والفَخم، وتختلفُ قساوتَهُ ومُرونتُه بحسب نسبة الفحم الذي يدخل فيه. والمرادُ وبالمُرونة أن يكون الشيء إذا ضغطته أو شددته أو لَوَيْتَه فغيَّرتَ وضعَه الذي هو عليه ثم تركته يعود إلى وضعه السابق، مثل النابِضِ (الزنبرك)، وقِطعةِ المَطَّاط. فالحديدُ الخالصُ قليلُ المرونة، فلو لَوَيْتَ قِطعةَ منه تبقى ملوية، وهو قليل القَسَاوة أيضاً، فيُلوَى دون أن ينكسر. أما الزجاج فشديد القساوة قليلُ المرونة، فلو لَوَيتَه ينكسر ولا يُغَيِّر الوضع الذي هو عليه.
(٢) نريد بالتِّقَانة معنَى ما يُسمى في لغة العلم الأجنبية (تكنولوجيا): وهي حُسْنُ تطبيقِ القوانين الطبيعية في العمل، بدقةٍ تامة في كلِّ مجال. وقد عرَّبوها اليوم فأسمَوْها (تَقَنِيَّة): وهي تسمية سَيِّئة ومشتبهة.
وقد كنت ارتأيت تسميتَها بالعربية (إِتقاناً) أخذاً من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "إذا عَمِلَ أحدُكم عملاً فليُتْقِنْهُ"، وقولهِ: "إن الله يجب العبدَ المتقِنَ عملَه"، ثم ارتأى الأخ الأستاذ الكريم الشيخ علي الطنطاوي حفظه الله تسميتَها (تِقَانَة) بكسر التاء، لكي تكون لها صِيغةٌ مستقلَّة غيرُ مشتركةِ مع معنى عام، فرأيتُه أفضل.

<<  <   >  >>