وقال لي في هذه المناسبة: إنَّ صِناعةَ السيوف هي صناعة عاليةُ المستوى، لأنها تَحتاجُ إلى خِبرة فنية عاليةِ وإتقان، لأن سِقايتها وهي طويلة دون أن يعتري قِوامَها خَلَلٌ أو التواء صعبةٌ جداً.
وقد أراني يوماً مُوْسَى من النوع الذي في نِصابه قِطَعٌ عديدة: نَصْلٌ كبير، ونَصْلٌ صغير، ومِفَكُّ بَراغِي، وبعض آلاتِ أخرى صغيرة، وطولُهُ أقلُّ من فِتْر، وهو في غاية الجمال ودقة الصنعة، وقالمالي: هذا فُولاذُه فُولاذُ هواء، وقد صنعتُه كلَّه بيدي!! فقلت له متعجباً: كيف أعملتَ فيه مِبردَك ومِيشَارك وآلاتِك وهو متى أُخرِجَت القِطعةُ المُحمَاةُ منه من النار يَسقيها الهواء فتقسو ولا يَعمل فيه المِبردُ ولا الميشار؟ فقال لي: قد اشتغلتُ نصاله الفولاذية كلَّها بالحَجَر لا بالمِبرد والميشار!!.
وقد أُصِيب في أواخر السبعينِيَّات الماضية (بمرض الإكتئاب) فلَزِمَ البيتَ وترك التدريس في المدرسة الخُسْرُويه (الثانويَّة الشرعية بحلب) وسَمِنَ بَدَنُه وترهَّل من عدم الرياضة والحركة. وقد زُرتُه وحاولت إقناعه بالعودة للتدريس فلم أُفلِح. ثم توفي - رَحِمَهُ اللهُ - رحمة واسعة".
انتهى مقالُ شيخنا الأستاذ الجليل مصطفى الزرقا حفظه الله تعالى. وأنت تَرى شيخَنا - وهو العلامة الفقيه - في معرفتِهِ وتعبيرِهِ الوافي الدقيق عن هذه المهارات: ماهراً فريداً أيضاً، كأنه من علماء تلك الصناعات.
قال عبد الفتاح: وأُضيفُ إلى ما ذكره شيخنا حفظه الله تعالى وأمتع به، في براعة الشيخ عبد الرحمن، في إصابة الهدف وحِذقِ الرماية: ما كان يفعله - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - مع أخيه الأستاذ الشيخ محمد أبو الخير، حين كان صغيرًا يافعاً، فقد كان يُوقفُه بعيداً عنه نحوَ أربعة أمتار، ويضعُ على رأسه قطعة النقد السوري، المسماة بـ (الفَرَنْك) قائماً منصوباً على حَافَتِهِ، ويأمرُ أخاه بأن لا يتحرك أيَّ حركة.
فيسكُنُ تمام السكون والفَرَنْكُ على رأسه وهو في غاية الطمانينة، فيُطلِقُ الشيخ عبد الرحمن (الخُزدُقَة) من بُندقيتة، فيطيرُ الفرنك من فوق رأس أخيه، ولا يَمسُّ شعرَهُ باي أثر من آثار الخُزدُقة، وهذا شيء من العَجَب العُجَاب، وعنده من هذا الباب في المهارة بمعرفة السلاح والرماية فيه: ما يُدهِشُ الألباب!!