وكم في الزوايا من خبايا، وحقائقَ مُدْهشاتٍ كالمرايا! وكم لنوابغ الأفراد في العالم من مزايا خاصة في إتقانِ: الرماية، أو اللغات، أو الصناعة اليدوية، أو المهارة الجِسمية، أو الفَطَانةِ الفذَّة العقلية، أو العبقرية الحِفظية: بالنظر أو بالسماع، أو القوة البصرية، أو القوة السمعية، أو سُرعة العَدو القَدَمية، وغيرِها وغيرِها، من مزايا النبوغ في الأفذاذ الأفراد في العالم، لا يُحصيهم إلَّا الله تعالى خالقُهم ورازقُهم سبحانه.
وأنا أُشيرُ إلى أسماء أفراد منهم على ترتيب ذِكري المواهبَ هنا، في الأسطر التالية لتنوير الأذهان، ففي الرماية: كالإِمام الشافعي والإِمام البُخَاري والشيخ أمين الحُسَيني مفتي فلسطين - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -، فقد كان يكتبُ اسمَه على الجدار بطلَقَات المسدس على أوضح وجه، والشيخ عبد الرحمن زين العابدين، وكالفارابي في معرفة اللغات، وكالإِمام القَرَافىِ والخيَّاطِ في الصناعة اليدوية، وكالمشَّاءِ على الحبل المنصوب في الهواء في المهارة الجسمية، المذكورَيْنِ بقصَّتيهما في مقدمتي لكتابي "صفحات من صبر العلماء"، وكالخليل بن أحمد الفراهيدي وتلميذ سيبويه وخلقِ سواهما في الفطانة العقلية، وكأبي يوسفط القاضي تلميذ الإِمام أبي حنيفة، والإِمام البخاري والدارقطني والحاكم النيسابوري وبديع الزمان الهمَذَاني وخلقِ سواهم في العبقرية الحفظية، وكزرقاء اليمامة في القوة البصرية، وكإبراهيم النَظَّام في القوة السمعية، وكالصحابي الجليل كعب بن مالك وآخَرِينَ من العذَّائين العرب في الجاهلية والإِسلام في سرعة العَدو القَدَمِيَّة إذْ يَسبقون عَنوَ الفَرَس. والله يختص بفضله مِن عِباده من يشاء، ويُودِعُ فيهم من الإِبداع ما يشاء.
ولما أخبرتُ شيخنا الأستاذ الزرقا رعاه الله تعالى، بمهارة الشيخ عبد الرحمن في رميه الفَرَنْكَ عن رأس أخيه بالبندقية، ومهارةِ الشيخ الحاج أمين الحسيني رحمهما الله تعالى، تعجَّب جداً، وأخبرني بأعجَبَ وأغرب!!
وهو ما شَهِدَه وشَاهَدَه، بعينيه في "السِّيرك": (الألعاب الباهرة) في مدينة إستنبول في صيف عام ١٩٦٧، فقد شاهد فيه رجلاً رامياً هدَّافاً ماهراً، أقام فتاة صبية أمام جدار من خشب، ووقف بعيداً عنها نحو مترين، وأمامه جملةٌ كبيرة من السكاكين الحادة الكبيرة، فجعل يرميها سكيناً سكيناً على الخشب بلِضق بَدَنِ الفتاة الواقفة تماماً،