فدعا آخَرَ منهم فهدَّده فقال: يا أمير المؤمنين واللهِ لقد كنتُ كارهًا لما صنعوا ثم دعا الجميع فأقرُّوا بالقصَّة، واستدعى الأول الذي في السجن وقال له: قد أقرَّ أصحابك، ولا يُنجيك سوى الصدق، فأقرَّ بكل ما أقرَّ به القوم، فأغرَمهم المال، وأقادَ منهم بالقتيل". انتهى. وذكره القاضي علاء الدين الطرابلسي الحنفي في "معين الحكام فيما يتردَّدُ بين الخصمين من الأحكام" ص ١٦٧. وانظره أيضًا في "القاموس" للفيروزآبادي مختصرًا، وفي شرحِهِ "تاج العروس" للزبيدي ٥: ٣٩٦، في مادة (شرع)، وفي روايتِهِ نَقْدُ سيدنا علي لاسترواح شُرَيح إلى استحلافِهم وتخليةِ سبيلهم؛ وقولُ سيدنا علي في انتقاد شُريح: "إنَّ أهونَ السَّقْيِ التشريعُ". والتشريعُ إيرادُ الِإبل على الشريعة - أي على الشاطئ - فلا تحتاجُ في سَقْيها إلى نزعِ الماء بالدلو ولا سَقيٍ في الحوض. وهذا مَثَلٌ عند العرب، يُضرَبُ لمن أخذ بالأسهل والأهون وتَرَك الأصعب والأحوط، كما بيَّنه الزبيدي. ٢ - وقال ابن القيم - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - في ص ٥٠ "وأوصى رجل إلى آخر أن يتصدَّق عنه من هذه الألف دينار بما أحبّ، فتصدَّق بعُشرِها وأمسَكَ الباقي، فخاصموه إلى علي وقالوا: يأخذ النصف ويعطينا النصف فقال: أنصفوك، قال: إنه قال لي: أخرِجْ منها ما أحببتَ، قال: فأخرِجْ عن الرجلِ تسعَ مئة، والباقي لك. قال: وكيف ذلك؟ قال: لأنَّ الرجل أمَرك أن تخرج ما أحببتَ، وقد أحببتَ التسعَ مئة، فأخرِجْها". ٣ - وقال ابن القيم أيضًا في ص ٥٠ ومن ذلك أنَّ رجلاً ضَرَب آخرَ على رأسه، فادَّعى المضروبُ أنه أُخرِسَ، ورُفعَتْ القضيَّةُ إلى علي - رضي الله عنه - فقال: يُخرِجُ لسانَه ويُنخَسُ بإبرة، فإنْ خرَجَ الدَّمُ أحمرَ فهو صحيح اللسان، وإن خرجَ أسودَ فهو أخرس".=