للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال العلماء: وإِذا كان معاذٌ أعلمَ بالحلال والحرام فهو أقضى الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. فما معنى قولهِ - عليه الصلاة والسلام -: "أقضاكم عليّ"؟ أجابوا - رضي الله عنهم - بأنَّ القضاءَ يرجع إِلى التفطُّنِ لوجوهِ حِجَاج الخصوم. وقد يكون الإِنسانُ أعلمَ بالحلال والحرام وهو بعيدٌ عن التفطُّنِ للخُدَعِ الصادرة من الخصوم والمكايِدِ والتنُّبهِ لوجه الصواب من أقوال المتحاكمين (١).


(١) قلت: قد استفاضت الأخبارُ وتوافرت الوقائع في فَطانةِ سيدنا علي - رضي الله عنه - في القضاء، وتجد طائفة كبيرة منها في "كنز العمال" للمتقي الهندي في كتاب الخلافة والإمارة منه، في (الأقضية (٣: ١٧٨ - ١٨٠ من الطبعة الأولى الهندية الكبيرة، سنة ١٣١٣، و ٥: ٤٩٣ - ٥٠٣ من الطبعة الهندية الثانية سنة ١٣٧٤، و ٥: ٨٢٥ - ٨٤٢، من الطبعة الثالثة الحلبية أو المصورة عنها البيروتية سنة ١٣٩٩، وفي "الرياض النضرة في مناقب العشرة" للمحب الطبري ٢: ١٦٧ - ١٧٠، وقد أورد الشيخ ابن قيم الجوزيةَ في كتابه "الطرق الحكمية في السياسة الشرعية" غيرَ قليل منها. وإليك بعضها منه:
١ - قال - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى - في ص ٤٩ منه، - ورواه مختصرًا ابن أبي شيبة في "المصنف" كما نقله عنه الزيلعي في "نصب الراية" ٤: ٣٥٥ - : "إن شابًّا شكا إلى علي - رضي الله عنه - نَفَرًا فقال: إنَّ هؤلاء خرجوا مع أبي في سفر، فعادوا ولم يَعُدْ أبي! فسألتهم عنه فقالوا: مات، فسألتهم عن ماله فقالوا: ما تَرَك شيئًا، وكان معه مال كثير، وترافَعْنا إلى شُرَيح فاستَحلفَهم وخلَّى سبيلَهم.
فدعا علي بالشُّرَط فوكَلَ بكل رجلِ رجلين، وأوصاهم أن لا يمكِّنوا بعضَهم يدنو من بعض، ولا يمكِّنوا أحدًا يُكلِّمُهم، ودعا كاتبَه، ودعا أحدَهم فقال، أخبرني عن أبي هذا الفتى: أيَّ يوم خرج معكم؟ وفي أيِّ منزلِ نزلتم؟ وكيف كان سَيْرُكم؟ وبأيِّ علَّةٍ مات؟ وكيف أُصيبَ بمالِه؟ وسأله عمَّن غسَّلَه ودفَنَه! ومن توَّلى الصلاةَ عليه؛ وأين دُفنَ؟ ونحوِ ذلك، والكاتبُ يكتُب، ثم كبَّرَ على - رضي الله عنه - وكبَّر الحاضرون، والمتَّهمُون لا عِلْمَ لهم إلَّا أنهم ظنُّوا أن صاحبَهم قد أقرَّ عليهم. =

<<  <   >  >>