فالقضاءُ عبارةٌ عن هذا التفطُّن، ولهذا قال - عليه السلام -: "إنما أنا بَشَر، وإنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم يكونُ ألحنَ بحُجَّتِه من بعض، فأقضِي له على نحو ما أَسَمع". الحديث. فدَلَّ ذلك على أن القضاء تَبَعُ الحِجَاجِ وأحوالِها، فمن كان لها أشدَّ تفطنًا كان أقضى من غيره ويُقدَّم في القضاء. وإنَّ الأسباب المُوجبة للتفضيل قد تتعارض، فيكون الأفضلُ من حازَ أكثرَها وأفضلَها، والتفضيلُ إنما يقع بين المجموعات، وقد يَختصُّ المفضولُ ببعضِ الصفات الفاضلة، ولا يَقدحُ ذلك في التفضيل عليه، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أقضاكم علي، وأَفْرَضُكم زيد، وأقرؤكم أُبَيّ، وأعلمُكم بالحلالِ والحرام معاذُ بنُ جبل" - رضي الله عنهم -. مع أنَّ أبا بكر - رضي الله عنه - أفضَلُ الجصيع، وعليُّ بن أبي طالب أفضلُ من أُبَيّ وزيد، ومع ذلك فقد فَضَلاه في الفرائض والقراءة، وما سبَبُ ذلك إلا أنه يَجوزُ أن يَحصُلَ للمفضول ما لم يَحصُل للفاضل، والفرقُ بين الأفضلية والمزية أن المفضول يجوز أن يَختص بما ليس للفاضل، فيكون المجموعُ الحاصلُ للفاضل لم يَحصُل للمفضول".