للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتقديرُ أولى من النقل لوجهين:

أحدُهما. أنَّ النقل يَحتاجُ إِلى غلبة الاستعمال حتى يُنسَخَ الوضعُ الأوَّل ويَحْدُثَ وضع آخر، والتقديرُ يكفي فيه أدنى قرينة، فهو أولى مما فيه تلك المقدِّماتُ الكثيرة، وأولى مما فيه نَسْخ.

وثانيهما: أنَّ التقديرَ متفَقٌ عليه في الشريعة بين العلماء، وهو عامّ في الشريعة، كما بيَّنتُه في كتاب "الأُمْنِيَّة في إِدراك النيَّة" (١)، والنقلُ مختلَفٌ فيه، والمتفَقُ عليه أولى من المختلَفِ فيه.


= هذا ما يُسمَّى عند الحنفية بالمقتضَى، وما عداه يُسمَّى محذوفًا أو مضمرًا.
أمَّا مثلُ قول القائل: أنتِ طالق، فهو إنشاءٌ لا تقديرَ فيه. جاء في "التحرير" لإبن الهمام وشرحِه "التقرير" لإبن أمير حاج من كتب أصول الحنفية ١:٢١٩ "أنت طالق: إنشاءٌ شرعًا يقع به الطلاق، ولا مقدَّر أصلاً، لأن التقدير فرْعُ الخبريَّة المحضة التي يَثبُتُ التقدير باعتبارها، ولا تصحُّ فيه الجهتان: الخبرية والِإنشائية، لتنافي لازِمَي الخبر والِإنشاء، أي احتمالِ الصدق والكذب في الخبر، وعدمِ الاحتمال في الإِنشاء.
والثابتُ لقوله: أنتِ طالق لازمُ الإِنشاء، فهو إنشاءٌ من كل وجه". انتهى.
ومن هذا الذي ذكرته يبدو لك ما وقع في كلام المؤلف - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -، في بيان مذهب الحنفية من تساهل وتعميم. والله تعالى أعلم.
(١) توجد نسخة مخطوطة منه في المكتبة الأحمدية ببلدنا حلب، التي آلت هي وغيرها من المكتبات الموقوفة إلى دار مكتبات الأوقاف الإِسلامية بحلب في المجموع ذي الرقم ٣٠٦ عَقِبَ كتابه هذا الذي أنشُرُه: "الإِحكام" في ٣٧ صَفْحة، وهو في قدر نصف كتاب "الإِحكام" هذا. ومكتوب بالقلم النفي كُتِبَ به "الإِحكام" وَفَرَغ مِن نسخهِ في سنة ٧٣٨ كاتبُهُ العبدُ الفقير إليه تعالى عبد الرحمن بن عباس بن عبد الرحمن. كما جاء في آخره. وتوجد منه نسخة ثانية في "الخزانة العامة" في الرباط بالمغرب الأقصى في مجموع رقمه ١٣٤٨، مكتوبة بخط مغربي، فُرغَ منها سنة ١٣٢٧، ونسخة في مجموع برقم ٢٦٥٧ د، ورابعة برقم ٤٧٤٥. وأُخِذَتْ مكتبات الأوقاف الحلبية كلها! لمكتبة الأسد بدمشق.

<<  <   >  >>