وحدثهم الشيطان: أن رسول الله ﷺ قد قرأها في السجدة فسجدوا لتعظيم آلهتهم، ففشت تلك الكلمة في الناس وأظهرها الشيطان، حتى بلغت الحبشة، فلما سمع عثمان بن مظعون وعبد الله بن مسعود ومن كان معهم من أهل مكة أن الناس قد أسلموا وصلّوا مع رسول الله ﷺ، وبلغهم سجود الوليد بن المغيرة على التراب على كفيه؛ أقبلوا سراعًا.
وكبر ذلك على رسول الله ﷺ، فلما أمسى؛ أتاه جبريل ﵇ فشكا إليه، فأمره فقرأ عليه، فلما بلغها تبرأ منها ﵇ وقال: معاذ الله من هاتين، ما أنزلهما ربي، ولا أمرني بهما ربك، فلما رأى ذلك رسول الله ﷺ؛ شق عليه، وقال:"أطعت الشيطان، وتكلمت بكلامه، وشركني في أمر الله".
فنسخ الله ﷿ ما ألقى الشيطان، وأنزل عليه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٢) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (٥٣)﴾، فلما برأه الله من سجع الشيطان وفتنته؛ انقلب المشركون بضلالهم وعداوتهم، وبلغ المسلمين ممن كان بأرض الحبشة وقد شارفوا مكة، فلم يستطيعوا الرجوع من شدة البلاء الذي أصابهم والجوع والخوف، خافوا أن يدخلوا مكة فيبطش بهم، فلم يدخل رجل منهم إلا بجوار، وأجار الوليد بن المغيرة عثمان بن مظعون، فلما أبصر عثمان بن مظعون الذي لقي رسول الله ﷺ وأصحابه من البلاء، وعذبت طائفة منهم بالنار وبالسياط -وعثمان معافى لا يعرض له-؛ رجع إلى نفسه، فاستحب البلاء على العافية، وقال: أما من كان في عهد الله وذمته وذمة رسوله الذي اختار لأوليائه من أهل الإسلام، ومن دخل فيه؛ فهو خائف مبتلى بالشدة والكرب، عمد إلى الوليد بن المغيرة فقال: يا ابن عم! قد أجرتني فأحسنت جواري، وإني أحب أن تخرجني إلى عشيرتك