فيشتروا لهما من بَزِّها وثمرها وذُرَتها، فوجدوهما في ناسٍ من المهاجرين والأنصار في مجلسٍ، فقالوا: يا عثمان! ويا عبد الرحمن! إن نبيَّكُما كتب إلينا بكتاب فأقبلنا مجيبين له، فأتيناه فسلَّمنَا عليه فلم يَرُدَّ سَلَامَنَا، وتصدَّينا لكلامه نهاراً طويلاً فأعيانا أن يُكَلِّمَنَا؛ فما الرأي منكما: أنعودُ أم نرجع؟ فقالا لعليِّ بن أبي أبي طالبٍ -وهو في القوم-: ما ترى يا أبا الحسن في هؤلاء القوم؟! فقال عليٌّ لعثمان ولعبد الرحمن ﵃: أرى أن يضعوا حُلَلَهُمْ هذه وخواتيمهم ويلبسوا ثياب سفرهم، ثم يعودون إليه.
ففعل وفد نجران ذلك، ووضعوا حللهم وخواتيمهم، ثم عادوا إلى رسول الله ﷺ فسلموا؛ فردَّ بسلامهم، ثم قال:"والذي بعثني بالحق؛ لقد أتَوْني المرة الأولى وإنّ إبليس لمعهم".
ثم ساءلهم وساءلوه، فلم تزل به وبهم المسألة؛ حتى قالوا له: ما تقول في عيسى بن مريم؛ فإنا نرجع إلى قومنا ونحن نصارى يَسُرّنا إِنْ كنت نبيّا أن نعلم ما تقول فيه، فقال رسول الله ﷺ:"ما عندي فيه شيء يومي هذا، فأقيموا حتى أخبركما بما يقال في عيسى".
فأبَوا أنْ يُقروا بذلك، فلما أصبح رسول الله ﷺ الغد بعْدَ ما أخبرهم الخَبَرَ؛ أقبل مشتملاً على الحسن والحسين في خميل لَهُ وفاطمة تمشي عند ظهرِهِ للملاعنة، وله يومئذ عِدَّة نسوةٍ، فقال شرحبيل لصاحبيه: يا عبد الله بن شُرحبيل! ويا جبار بن فيض! قد علمتما أن الوادي إذا اجتمع أعلاه وأسلفه لم يردوا ولم يصدروا إلا عن رأي، وإني والله أرى أمْراً مقبلاً: إن كان هذا الرجل ملكاً مبعوثاً فكنا أول العرب طعن في