للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيشتروا لهما من بَزِّها وثمرها وذُرَتها، فوجدوهما في ناسٍ من المهاجرين والأنصار في مجلسٍ، فقالوا: يا عثمان! ويا عبد الرحمن! إن نبيَّكُما كتب إلينا بكتاب فأقبلنا مجيبين له، فأتيناه فسلَّمنَا عليه فلم يَرُدَّ سَلَامَنَا، وتصدَّينا لكلامه نهاراً طويلاً فأعيانا أن يُكَلِّمَنَا؛ فما الرأي منكما: أنعودُ أم نرجع؟ فقالا لعليِّ بن أبي أبي طالبٍ -وهو في القوم-: ما ترى يا أبا الحسن في هؤلاء القوم؟! فقال عليٌّ لعثمان ولعبد الرحمن : أرى أن يضعوا حُلَلَهُمْ هذه وخواتيمهم ويلبسوا ثياب سفرهم، ثم يعودون إليه.

ففعل وفد نجران ذلك، ووضعوا حللهم وخواتيمهم، ثم عادوا إلى رسول الله فسلموا؛ فردَّ بسلامهم، ثم قال: "والذي بعثني بالحق؛ لقد أتَوْني المرة الأولى وإنّ إبليس لمعهم".

ثم ساءلهم وساءلوه، فلم تزل به وبهم المسألة؛ حتى قالوا له: ما تقول في عيسى بن مريم؛ فإنا نرجع إلى قومنا ونحن نصارى يَسُرّنا إِنْ كنت نبيّا أن نعلم ما تقول فيه، فقال رسول الله : "ما عندي فيه شيء يومي هذا، فأقيموا حتى أخبركما بما يقال في عيسى".

فأصبح الغدُ وَقَدْ أَنزل الله ﷿ هذه الآية: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ﴾ إلى قوله: ﴿فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾.

فأبَوا أنْ يُقروا بذلك، فلما أصبح رسول الله الغد بعْدَ ما أخبرهم الخَبَرَ؛ أقبل مشتملاً على الحسن والحسين في خميل لَهُ وفاطمة تمشي عند ظهرِهِ للملاعنة، وله يومئذ عِدَّة نسوةٍ، فقال شرحبيل لصاحبيه: يا عبد الله بن شُرحبيل! ويا جبار بن فيض! قد علمتما أن الوادي إذا اجتمع أعلاه وأسلفه لم يردوا ولم يصدروا إلا عن رأي، وإني والله أرى أمْراً مقبلاً: إن كان هذا الرجل ملكاً مبعوثاً فكنا أول العرب طعن في

<<  <  ج: ص:  >  >>