عَيْنه وردَّ عليه أمرَهُ؛ لا يذهب لنا من صدره ولا من صدور قومه حتى يصيبونا بجائحة، وإِنَّا لأدْنَى العرب منهم جواراً، وإن كان هذا الرجل نبياً مُرْسلاً فلاعَنَّاهُ؛ فلا يبقى على وجه الأرض مِنَّا شَعْرُ ولا ظُفرٌ إلا هَلَكَ، فقال له صاحباه: فما الرأي يا أبا مريم؛ فقد وضعَتْكَ الأمور على ذراع؟! فهات رأيك، فقال: رَأيي أنْ أُحَكِّمُهُ؛ فإني أَرى رجلاً لا يحكم شططاً أبداً، فقالا له: أنت وذاك.
فتلقى شُرحبيل رسول الله ﷺ، فقال: إني قد رأيتُ خيراً من ملاعنتك، فقال:"وما هو؟ "، قال شرحبيل: حُكْمكَ اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصَّباحَ، فمهما حكمت فينا؛ فهو جائزٌ، فقال رسول الله ﷺ:"لعل وراءك أَحَدٌ يُثَرِّبُ عليك؟! "، فقال شرحبيل: سل صاحبيَّ فسألهما، فقالا له: ما ترِد الوادي ولا تصدُرُ إلا عن رأي شُرحبيل، فقال رسول الله ﷺ:"كافرٌ -أو قال: جاحدٌ- موفقٌ"، فرجع رسول الله ﷺ يلاعنهم، حتى إذا كان الغدُ؛ أتوه، فكتب لهم هذا الكتاب: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هذا ما كتب محمدٌ النبيُّ رسول الله ﷺ لنجران؛ إذ كان عليهمُ حُكْمهُ في كل ثمرةٍ وكل صفراء وبيضاء وسوداء ورقيق، وأفضَلَ عليهم، وتُرِكَ ذلك كله على ألفيّ حلةٍ من حلل الأواقي؛ في كل رجب ألف حلة، وفي كل صفر ألف حلة، ومع كل حُلةٍ أوقيَّةٌ من الفضة، فما زادت على الخراج أو نقصت عن الأواقي؛ فبالحساب، وما قَضَوْا من دُرُوع أو خيل أو رِكاب أو عُروضٍ؛ أُخِذَ منهم بالحساب، وعلى نَجرانَ مؤنة رسلي، ومتعتهم ما بين عشرين يوماً فُدونَهُ، ولا تُحبس رسلي فوق شَهْرٍ، وعليهم عَارِيَّة ثلاثين دِرْعاً وثلاثين فرساً وثلاثين بعيراً؛ إذا كان كيد ومعرّة، وما هلك مما أعَارُوْا رسلي من دروع أو خيل أو ركاب؛ فهو ضمانٌ على رسلي حتى يؤدوه إليهم، ولنجران وحاشيتها جوَارُ الله وذمة محمد النبي على أنفسهم وملِّتهم وأرضيهم وأموالهم وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وبِيَعهم، وأن لا يغيَّروا مما كانوا عليه، ولا يغيَّرُ حق من حقوقهم وَلَا ملِّتهِمْ، ولا