قال عتبة: نعم، قد فعلت ونَعِمَّا قلتَ، ونعِمَّا دعوت إليه، فاسع في عشيرتك فانا أتحمَّل بها، فسعى حكيم في أشراف قريش بذلك يدعوهم إليه، وركب عتبة بن ربيعة جملاً له، فسار عليه في صفوف المشركين في أصحابه، فقال: يا قوم! أطيعوني، فإنكم لا تطلبون عندهم غير دم ابن الحضرمي، وما أصابوا من عيركم تلك، وأنا أتحمَّل بوفاء ذلك، ودعوا هذا الرجل، فإن كان كاذباً وليَ قتله غيركم من العرب؛ فإن فيهم رجالاً لكم فيهم قرابة قريبة، وإنكم إن تقتلوهم لا يزال الرجل منكم ينظر إلى قاتل أخيه أو ابنه أو ابن أخيه أو ابن عمه، فيورث ذلك فيهم إحناً وضغائن، وان كان هذا الرجل مَلِكاً كنتم في مُلْك أخيكم، وإن كان نبياً لم تقتلوا النبي فتسبوا به، ولن تخلصوا أحسِبُ إليهم حتى يصيبوا أعدادهم، ولا آمن أن تكون لهم الدَّبْرة عليكم، فحسده أبو جهل على مقالته، وأبى الله ﷿ إلا أن يُنْفِذَ أمره. وعتبة بن ربيعة يومئذ سيد المشركين فعمد أبو جهل إلى ابن الحضرمي، وهو أخو المقتول، فقال: هذا عتبة يخذل بين الناس وقد تحمل بدية أخيك، يزعم أنك قابلها، أفلا تستحيُون من ذلك أن تقبلوا الدية؟ وقال أبو جهل لقريش: إن عتبة قد علم أنكم ظاهرون على هذا الرجل، ومن معه وفيهم ابنه وبنو عمه وهو يكره صلاحكم. وقال أبو جهل لعتبة وهو يسير فيهم ويناشدهم: انتفخ سَحْرُك. وزعموا أن النبي ﷺ قال وهو ينظر إلى عتبة: "إن يكن عند أحد من القوم خيرٌ؛ فهو عند صاحب الجمل الأحمر، وإن يطيعوه يَرْشُدوا"، فلمَّا حَرَّض أبو جهلٍ قريشاً على القتال أمرَ النساءَ يُعْوِلنَ عَمْراً فقمنَ يَصِحْنَ: واعمراه واعمراه، تحريضاً على القتالِ، وقامَ رجالٌ فتكشَّفوا يُعَيّرونَ بذلكَ قريشاً، فاجتمعَتْ قريش على القتالِ. وقال عُتْبَة لأبي جهل: ستعلمُ اليوم من انْتَفَخَ سِخرُه أي الأمرين أرشَدُ، وأخَذَت قرَيشٌ مصافَّها للقتالِ، وقالوا لعُمَيْرِ بن وهبٍ: ارْكَبْ فاحْزرْ لنا محمداً وأصحابَهُ، فقعد عمير على فرسهِ فأطاف برسول الله ﷺ وأصحابِهِ، ثمَّ رجعَ إلى المشركينَ =