للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أكثر من ذلك، وإِذَا ذكر المدعي دعواه ولَمْ يذكر السبب ولَمْ يكشفه القاضي عنه، فذلك غفلة من القاضي وجهل منه بالسنة؛ لأنه (١) إِذَا أبهم ذلك ولم يؤمن أَن يكون من وجه لا يوجب شيئاً إِذَا فسره، فيصير القاضي كالخابط عشواء، وكَذَلِكَ إِن ذكر عدد الدين ولم يذكر الحلول والتأجيل، وكَذَلِكَ إِن لَمْ يذكر قبض المتسلف للمال إِن كَانَ الدين من سلف كَانَ نقصاً فِي المقالة.

ثُمَّ مُدَّعًى عَلَيْهِ تَرَجَّحَ قَوْلُهُ بِمَعْهُودٍ، أَوْ أَصْلٍ بِجَوَابِهِ.

قوله: (ثُمَّ مُدَّعًى عَلَيْهِ تَرَجَّحَ قَوْلُهُ بِمَعْهُودٍ، أَوْ أَصْلٍ بِجَوَابِهِ) أي ثم أمر المدعى عَلَيْهِ بجوابه. ابن عرفة: وإِذَا ذكر المدعي دعواه فمقتضى المذهب أمر القاضي خصمه بجوابه إِن استحقت الدعوى جواباً وإِلا فلا كقول المدعي: هذا أخبرني البارحة أنّه رأى هلال الشهر أَو سمع من يعرف بلفظه (٢) ولا يتوقف أمره بالجواب عَلَى طلب المدعي لذلك؛ لوضوح دلالة حال التداعي عَلَيْهِ. وقال المازري إِن لَمْ يكن من المدعي أكثر من الدعوى كَانَ يقول للقاضي: لي عند هذا ألف درهم، فللشافعية فِي أحد الوجهين: أنّه ليس للقاضي طلب المدعى عَلَيْهِ بجواب لعدم تصريح المدعي بذلك.

وذكر أَن أخوين بالبصرة كانا يتوكلان عَلَى أبواب القضاة ولَهُمَا فقه، فلما ولي عيسى بن أبان قضاء البصرة، وهو ممن عاصر الشافعي أراد الأخوان أَن يعلماه مكانهما من العلم، فأتياه فقال لَهُ أَحَدهمَا: لي عند هذا كذا وكذا. فقال عيسى للآخر: أجبه فقال المدعى عَلَيْهِ: ومن أذن لك أَن تستدعي جوابي؟، وقال المدعي لَمْ آذن لك فِي ذلك فوجم عيسى بن أبان، فقالا لَهُ: إنما أردنا أَن نعلمك مكاننا من العلم، وعرّفاه بأنفسهما، وهذه مناقشة لا طائل (٣) تحتها؛ لأن الحال شاهدة بذلك، وهو ظاهر مذاهب العلماء.

ابن عرفة فظاهره إيجاب جوابه (٤) بمجرد قوله: لي عنده كذا، وليس كَذَلِكَ بل لابد من


(١) في (ن ٢): (لا أنه).
(٢) في (ن ١)، و (ن ٣): (بلقطة).
(٣) في (ن ٣): (باطل).
(٤) في (ن ١): (جواب).

<<  <  ج: ص:  >  >>