ولهذا يقول عنه عبد القاهر - وإن لم يصرح باسم الكتاب ولا باسم صاحبه - "إلا أنك لن ترى على ذلك نوعاً من العلم قد لقى من الضيم ما لقبه (علم البيان) ومنى من الحيف بما منى به، ودخل على الناس من الغلط في معناه ما دخل عليهم فيه، فقد سبقت إلى نفوسهم اعتقادات فاسدة، وظنون ردية، وركبهم فيه جهل عظيم، وخطأ فاحش: ترى كثيراً منهم لا يرى له معنى أكثر مما يرى للإشارة بالرأس، والعين، وما تجده للخط والعقد، يقول: إنما هو خبر، واستخبار، وأمر ونهي، ولكل من ذلك لفظ قد وضع له، وجعل دليلاً عليه، فكل من عرف أوضاع لغة من اللغات عربية كانت أو فارسية، وعرف المغزى من كل لفظه، ثم ساعده اللسان على النطق بها وعلى تأدية أجراسها وحروفها، فهو بين في تلك اللغة كامل الأداء، وهو لا يدري أن للنظم دقائق وأسراراً، طريق العلم بها الروية والفكر، ولطائف مستقاها العقل، وأنها السبب في أن عرضت المزية في الكلام، ووجب أن يفضل بعضه بعضاً. ولما لم تعرف تلك الطائفة هذه الدقائق والنواحي واللطائف، لم تحاول معرفتها، وساء اعتقادها في الشعر، مع أنه معدنها، وعليه المعول فيها، وفي علم النحو الذي هو كالناسب لها الذي يرجعها إلى أصولها، ويبين فاضلها من مفضولها "فجعلت تظهر الزهد في كل واحد من النوعين، وتطرح كلا من الصنفين وترى التشاغل عنهما أولى من الاشتغال بهما، والإعراض عن تدبرهما أصوب من الإقبال على تعلمهما.
أما الشعر: فإنه في رأيها - ليس فيه كثير طائل، وأنه ليس بشيء تمس الحاجة إليه في صلاح دين أو دنيا. وأما النحو: فإنه ضرب من التكلف، وباب من التعسف، وشيء لا يستند إلى أصل، ولا يعتمد على عقل، فما زاد منه على معرفة الرفع والنصب، وما يتصل بذلك مما نجده في المبادئ فهو فضل لا يجدي نفعاً، ولا تحصل منه على فائدة، فهو - في الكلام - كالملح في الطعام، وتلك آراء لو علموا مغبتها، وما تقود إليه