للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجدته قد خرج في أحسن صورة؛ وتراه قد تحول جوهرة، بعد أن كان خرزة، وصار أعجب شيء بعد أن لم يكن شيئاً.

فقول العقلاء: إنه يصح أن يعبر عن المعنى الواحد بلفظين، ثم يكون أحدهما فصيحاً، والآخر غير فصيح، يريدون به: أنه يصح أن تكون ههنا عبارتان: أصل المعنى فيهما واحد، ثم يكون لأحدهما - في تحسين ذلك المعنى، وتزيينه، وإحداث خصوصية فيه - تأثير لا يكون للأخرى (١).

٤ - أن ذلك القول - وهو أن المزية في الفصاحة ترجع إلى اللفظ، لا إلى المعنى قد صدر عن قوم لهم نباهة، وصيت وعلو منزلة في أنواع من العلوم، غير ذلك العلم الذي قالوا ذلك القول فيه، ثم وقع في الألسن فتداولته ونشرته، وفشا، وظهر، وكثر الناقلون له، والمشيدون بذكره، فصار ترك النظر فيه سنة، والتقليد ديناً، وهذا القول. منطبق على القاضي عبد الجبار، وأتباعه من المعتزلة، من النباهة، والصيت، وعلو المنزلة، فقد كان القاضي عبد الجبار، قد انتهت إليه الرئاسة في المعتزلة حتى صار شيخها، وعالمها غير مدافع، وصار الاعتماد على كتبه التي نسخت كتب من تقدمه (٢).

بل إن عبد القاهر نفسه يشير إشارة واضحة إلى هؤلاء القوم - أي المعتزلة ورئيسهم القاضي عبد الجبار - بأنهم هم الذين سلموا بأن الفصاحة لا تكون في أفراد الكلمات وأنها إنما تكون فيها؛ إذا انضم بعضها إلى بعض قائلاً: (وكيف لا يكون في إسار الأخذة ومحولاً بينه وبين الفكرة ومن يسلم أن الفصاحة لا تكون في إفراد الكلمات، وأنها إنما


(١) الدلائل ٣٢٣، ٣٢٤، ٣٢٥.
(٢) متشابه القرآن ١٥.

<<  <   >  >>