من أجل معناه، فإن لفظ المفسر يأتي على المعنى ويؤديه لا محالة - وإذا لزم ذلك في تفسير البيت من الشعر، لزم مثله في الآية من القرآن الكريم!
ويجيب عبد القاهر: بأن القول بأنه يصح أن يعبر عن المعنى الواحد بلفظين يحتمل أمرين:
أحدهما: أن تريد باللفظين كلمتين معناهما واحد في اللغة، مثل:"الليث" و"الأسد" ومثل: "شحط" و"بعد" وغير ذلك مما وضع اللفظان فيه لمعنى.
والثاني. أن تريد: كلامين، فإن أردت الأول: فقد خرجت عن المسألة، لأن كلامنا نحن (في فصاحة) تحدث من بعد التأليف، دون الفصاحة التي توصف بها اللفظة مفردة، فعليك أن تعلم: أن سبيل المعاني سبيل أشكال الحلي، كالخاتم، والشنف، والسوار؛ فكما أن من شأن هذه الأشكال أن يكون الواحد منها غفلاً ساذجاً، لم يعمل فيه صانعه شيئاً، وأن يكون مصنوعاً بديعاً، قد أغرب صانعه فيه، كذلك سبيل المعاني. أن ترى الواحد منها غفلاً ساذجاً، عامياً، موجوداً في كلام الناس كلهم، ثم تراه نفسه، وقد عمد إليه البصير بشأن البلاغة وإحداث الصور في المعاني، فيصنع فيه ما يصنع الصنع الحاذق، حتى يغرب في الصنعة ويدق في العمل، ويبدع في الصياغة، وذلك: كأن تقول في قول الناس: (الطبع لا يتغير) و (لست تستطيع أن تخرج الإنسان عما جبل عليه) فترى معنى غفلاً عامياً معروفاً، في كل جيل وأمه، فإذا نظرت إليه في قول أبي الطيب: