للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثالثاً: أن العلاقات بين معاني الكلم - حين يضم بعضها إلى بعض - هي معاني النحو، لأنه "لا يتصور أن يتعلق الفكر بمعاني الكلم أفراداً ومجردة من معاني النحو، فلا يقوم في وهم، ولا يصح في عقل أن يتفكر متفكر، في معنى فعل من غير أن يريد إعماله في اسم، ولا أن يتفكر في معنى اسم من غير أن يريد إعمال فعل فيه، وجعله فاعلاً له، أو مفعولاً، أو يريد منه حكماً سوى ذلك من الأحكام مثل: أن يريد جعله مبتدأ، أو خبراً، أو صفة، أو حالاً، أو ما شاكل ذلك.

ولهذا فإنك إذا عمدت إلى أي كلام، وأزلت عنه تلك العلاقات، لم يصبح كلاماً، كما إذا قلت في (قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل)، (من نبك قفاً، حبيب، ذكرى، منزل) فإنه يخرج من كمال البيان إلى محال الهذيان!

رابعاً: أننا إذا تأملنا وجدنا الذي يكون في الألفاظ، من تقديم شيء منها على شيء إنما يقع في النفس أنه نسق مخصوص، إذا اعتبرنا ما توخى فيها من معاني النحو، لأنك لو فرضت في قوله: (قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل) أن لا يكون (نبك) جواباً للأمر، ولا يكون معدى بمن إلى (ذكرى) ولا يكون (ذكرى) مضافة إلى (حبيب) ولا يكون (منزل) معطوفاً بالواو على حبيب، لخرج ما ترى فيه من التقديم والتأخير عن أن يكون نسقاً، لأنه إنما يكون تقديم الشيء على الشيء ونسقاً، وترتيباً، إذا كان ذلك التقديم قد كان لموجب أوجب أن يقدم هذا، ويؤخر ذاك.

خامساً: أنه لا يتصور أن يقع منك قصد، إلى معنى كلمة دون أن تريد تعليقها بمعنى كلمة أخرى، لأنه من المعلوم. أنك لا تقصد أن تعلم السامع معاني الكلم المفردة التي تكلمه بها، فلا تقول. (خرج زيد) لتعلمه معنى (خرج) في اللغة ومعنى (زيد) فيها.

<<  <   >  >>