حاضراً مجلس ابن الفرات مستمعاً للمناظرة التي كانت بين متى بن يونس، وأبي سعيد السيرافي سنة ٣٢٦ هـ.
وقد كنت منذ ما يقرب من عشر سنوات - وأنا أكتب (نظرية البيان بين عبد القاهر والمتأخرين) - معتقداً أن الذي ألهم عبد القاهر هذا الفصل، ومن ثم نظريته في البيان هو قدامة بن جعفر في نقد الشعر، وجواهر الألفاظ، وقلت: إن قدامة جعل التمثيل بعقب الأرداف (أي الكناية) لأن إطاراً واحداً يضمهما، وهو: أن طريق الدلالة فيهما واحد أي تكون من طريق (معنى المعنى) - على حد تعبير عبد القاهر وأن عبد القاهر قد أضاف إليهما الاستعارة، لأنها قمة المجاز.
والآن: وبعد أن تتبعت مناظرة أبي سعيد، كلمة كلمة، وجملة جملة، وعبارة عبارة لكي أتبين الصلة بين نظريتي النظم والبيان - في الدلائل - وبين تلك المناظرة، وجدت الحلقة المفقودة التي بها تبينت صور البيان التي تمثلها عبد القاهر لنظريته، وهذه الحلقة تتمثل في فهم عبارة أبي سعيد عن (معنى المعنى) أو عن المجاز والكناية، وتلك العبارة هي:(أجل اللفظ بالروادف الموضحة، والأشباه المقربة، والاستعارات الممتعة).
فقد أجال عبد القاهر تلك العبارة في ذهنه، ووجدانها تنطبق على ما أسماه: اللفظ يطلق والمراد غير ظاهره، وأن هذا يدور في الأمر الأعم على شيئين: الكناية (أن الإرداف) والمجاز، وأن المجاز يشمل الاستعارة، والتمثيل - إذا جاء على حد الاستعارة -.
وبهذا انحصرت صور البيان - في الدلائل - في ثلاث صور هي: الكناية (أي الإرداف) والاستعارة، والتمثيل.
فالكناية - في مناظرة أبي سعيد السيرافي - هي ما عبر عنه باسم: