وكل ذلك محصور بالتتبع، والرواية، والسماع، والقياس المطرد على الأصل المعروف من غير تحريف) ثم قال:
(وإنما دخل العجب على المنطقين، لظنهم أن المعاني لا تعرف، ولا تستوضح إلا بطريقهم ونظرهم وتكلفهم، فترجموا لغة هم فيها ضعفاء ناقصون، وجعلوا تلك الترجمة صناعة، وادعوا على النحويين، أنهم مع اللفظ، لا مع المعنى).
وفي تلك العبادة التي ذيل بها أبو سعيد السيرافي حديثه عن نظريته في النظم، كما تصورها، بيان للسب الذي من أجله اخترع عبارة (معاني النحو) اختراعاً، لأنها - على حد علمنا - لم تؤثر عن أحد من العلماء قبله، فالتقطها عبد القاهر - من بعده - فجعلها - كما جعلها السيرافي - أيضاً - محور النظم، وقطب الدائرة فيه، وكررها في الدلائل ما يقرب من ستين مرة، وهذا السبب هو: أن المنطقيين كانوا يتوهمون أن (المعاني) لا يمكن معرفتها وتوضيحها، إلا بطريقتهم ونظرهم وتكلفهم، فأراد أن يبين لهم أن المعاني، كما تعرف بقواعد المنطق، فإنها تعرف - أيضاً - بقواعد علم النحو، فأطلق على المعاني المستفادة من تتبع أحكامه وقوانينه:(معاني النحو).
ولهذا صاغ عبد القاهر نظرية النظم، على هذا القول:(تتبع - أو توخي - معاني النحو فيما بين الكلم، على حسب الأغراض التي يصاغ لها الكلام).
وأنت تشعر - معي - بأن عبد القاهر، قد أخذ من مناظرة أبي سعيد شطر النظرية فحسب، وهو:(تتبع أو توخى - معاني النحو فيما بين الكلم)، أما شطرها الآخر، وهو:(على حسب الأغراض التي يصاغ لها الكلام) فليس مما قاله أبو سعيد، في مناظرته.