ومن الطريف أن أبا حيان التوحيدي الذي روى مناظرة أبي سعيد السيرافي، كان قد تتلمذ على أستاذين أحدهما: منطقي - وهو أبو سليمان المنطقي - والآخر: نحوي، وهو: أبو سعيد السيرافي النحوي، وأنه قد أورد لأبي سليمان المنطقي نظرية في النظم، لم ترد فيها (معاني النحو)، بينما أورد مناظرة أبي سعيد التي تجد بها نظرية النظم قائمة على (معاني النحو) - كما ترى -.
وقد جاءت النظريتان في كتابة "الإمتاع والمؤانسة" وقد وردت نظرية أبي سليمان المنطقي على النحو التالي:
"المعاني المعقولة بسيطة (أي: بسوطة) في بحبوحة النفس، لا يحوم عليها شيء قبل الفكر، فإذا لقيها الفكر بالذهن الوثيق، والفهم الدقيق، ألقى ذلك إلى العبارة "والعبارة حينئذ تتركب بين وزن هو: النظم للشعر، وبين وزن هو: سياقة الحديث وكل هذا راجع إلى نسبة صحيحة أو فاسدة، وصورة حسنة أو قبيحة، وتأليف مقبول، أو ممجوج، وذوق حلو أو مر، وطريق سهل أو وعر، واقتضاب مفضل، أو مردود، واحتجاج قاطع أو مقطوع، وبرهان مسفر أو مظلم، ومتناول قريب أو بعيد، ومسموع مألوف أو غريب" (١).
وهذه النظرية تقوم على: أن المعاني المعقولة في النفس تخرج إلى العبارة بالفكر، فتتركب بين وزني: الشعر والنثر، وأن المدار فيها على (صحة المعنى) و (حسن الصورة) و (سلامة التأليف)، وليس فيها - كما ترى - أثر المعاني النحو، ولهذا لم يعرج عليها عبد القاهر، مع أنهما موجودان في كتاب واحد! .
وقد أردف عبد القاهر - في الدلائل - شطر النظرية، بفصل آخر