(ا) فالمحكم الوثيق، والجزل القوي، والمنمق الموشح، الذي قد هذب كل التهذيب، وثقف غاية التثقيف وجهد فيه الفكر، وأتعب لأجله الخاطر، لا يلقى قبولاً من القلب إلا بنفسه، وجوهره، ومكانه، وموقعه ولا عبرة بالتزويق والتنميق بأنواع البديع.
(ب) والمختل المعيب، والفاسد المضطرب، له وجهان:
أحدهما: ظاهر يشترك الناس في معرفته، ويقل التفاضل في العلم به، وهو ما كان اختلاله وفساده من باب اللحن والخطأ من ناحية الإعراب، واللغة، وأظهر من هذا: ما عرض له ذلك من قبل الوزن، والذوق.
والآخر: غامض، يوصل إلى بعض بالرواية، ويوقف على بعضه بالدراية، ويحتاج في كثير منه إلى دقة الفطنة، وصفاء القريحة، ولطف الفكر وبعد الغوص.
(جـ) وملاك ذلك كله، وتمامه الجامع له، والزمام عليه، الطبع، وإدمان الرياضة، فإنهما أمران، ما اجتمعا في شخص، فقصرا في إيصال صاحبهما عن غايته، ورضيا له بدون نهايته.
(د) أقل الناس حظا بمعرفة النقد هو: من اعتمد على سلامة الوزن، وإقامة الإعراب، وأداء اللغة ثم الاهتمام بتزيين الكلام بأنواع البديع.
وأما العارف بحقيقة النقد، فهو الذي يعتمد - في نقده - على صحة الترتيب، وسلامة النظم وحسن التأليف، وقوة النسج، ويقابل بين الألفاظ ومعانيها ويسير ما بينهما من نسب، ويمتحن ما يجتمعان فيه من سبب.
على أن هناك من الأسباب ما يجعلنا نعتقد بأن القاضي الجرجاني قد قرأ مناظرة أبي سعيد السيرافي، بل وأفاد منها - في وساطته - وهي: