رابعاً: أنه ليس من كلام يعمد واضعه فيه إلى معرفتين، فيجعلهما مبتدأ وخبراً، ثم يقدم الخبر، إلا أشكل الأمر عليك فيه، فلا تعلم أن المقدم خبر حتى ترجع إلى المعنى، وتحسن التدبر، وذلك كبيت الحماسة:
بنونا بنو أبنائنا، وبناتنا ... بنوهن أبناء الرجال الأباعد
فقدم خبر المبتدأ وهو معرفة، وإنما دل على أنه يتوى التأخير: المعنى.
خامساً: أن الفائدة تعظم في هذا الضرب من الكلام، إذا أنت أحسنت النظر فيما ذكر، من أنك تستطيع أن تنقل الكلام في معناه عن صورة إلى صورة، من غير أن تغير من لفظه شيئاً، أو تحول كلمة عن مكانها إلى مكان آخر.
سادساً: أن هذا الضرب من الكلام هو الذي وسع مجال التأويل والتفسير، حتى صاروا يتأولون في الكلام الواحد تأويلين أو أكثر، ويفسرون البيت الواحد عدة تفاسير.
سابعاً: أنه هو الطريق المزلة الذي ورد كثيراً من الناس، فأوقعهم في الهلاك، لعدم معرفتهم بعلم النحو، فانكشف عوارهم، وافتضح أمر الذي أظهر الغنى عنه عندما تعرض لتفسير كلام الله تعالى (١).