للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشاعر هو: أن يشبه مداده بأرى الجنى، بمعنى أنه إذا كتب في العطايا والصلات أوصل به إلى النفوس ما تحلو مذاقته عندها، وأدخل السرور واللذة عليها، وهذا المعنى إنما يكون، إذا كان (لعابه) مبتدأ، و (لعاب الأفاعي) خبراً، فأما تقديرك: أن يكون (لعاب الأفاعي) مبتدأ، و (لعابه) خبراً، وذلك يخرج عن غرض أبي تمام، إذ ليس غرضه أن يشبه (لعاب الأفاعي) بالمداد، وأن يشبه الأري به، ولو كان حال الكلم في ضم بعضها إلى بعض كحال غزل الإبريسم، لكان ينبغي أن لا تتغير الصورة الحاصلة من نظم كلم، إلا بعد أن تزال عن مواقعها، كما لا تتغير الصورة الحادثة عن ضم غزل الإبريسم بعضه إلى بعض إلا بعد أن تزال الجيوط عن مواضعها (١).

وقد فرع عبد القاهر على ذلك فتراض الافترضاً آخر، في قولهم: (عتابك السيف)، منبهاً إلى ما يلي:

أولاً: أنه لا يجوز أن يكون سبيل قوله: (لعاب الأفاعي القاتلات لعابه) سبيل قولهم: (عتابك السيف)، لأن المعنى - في بيت أبي تمام - على أنك تشبه شيئاً بشيء، لجامع بينهما وليس المعنى في قولهم: (عتابك السيف) على أنك تشبه عتابه بالسيف، ولكن على أن تزعم أنه يجعل السيف بدلاً من العتاب.

ثانياً: إذا أردت من قولهم: (عتابك السيف) - وهو ليس مرادهم - التشبيه، كنت قد أردت أنه عاتب عتاباً خشناً مؤلماً.

ثالثاً: إذا قلت: (السيف عتابك) خرجت بهذا القول إلى معنى ثالث، وهو: أن تزعم أن عتابه قد بلغ - في إيلامه وشدة تأثيره - مبلغاً، صار له السيف كأنه ليس بسيف.


(١) الدلائل ٢٨٤.

<<  <   >  >>