للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"ففي الناس من إذا رأى أنه يجري في القياس وضرب المثل أن تشبه الكلم - في ضم بعضها إلى بعض - ورأى أن الذي ينسج الديباج، ويعمل النقش والوشى، لا يصنع بالابريسم الذي ينسح منه شيئاً غير أنه يضم بعضه إلى بعض، ويتخير للإصباغ المختلفة المواقع التي يعلم أنه إذا أوقعها فيها حدث له في نسجه ما يريد من النقش والصورة - جرى في ظنه أن حال الكلم - في ضم بعضها إلى بعض، وفي تخير المواقع لها - وحال خيوط الأبريسم سواء. ورأيت كلامه كلام من لا يعلم أنه لا يكون الضم فيها ضما، ولا الموقع موقعا. حتى يكون قد توخى فيها معاني النحو، وأنك إن عمدت إلى ألفاظ "فجعلت تتبع بعضها بعضاً، من غير أن تتوخى فيها معاني النحو، لم تكن قد صنعت شيئاً تدعى به مؤلفاً وتشبه معه بمن عمل نسجا، أو صنع على الجملة صنيعا، ولم يتصور أن تكون قد تخيرت لها المواقع.

ويستدل عبد القاهر على صحة مقولته هذه باستدلال لطيف، وهو: أنه قد يتصور أن يعمد عامد إلى نظم كلام بعينه، فيزيله عن الصورة التي أرادها الناظم له أو يفسدها عليه من غير أن يحول منه لفظاً عن موضعه أو يبدله بغيره، دون أن يغير شيئاً من صاهر أمره.

ومثال ذلك أنك إن قدرت في بيت أبي تمام:

لعاب الأفاعي القاتلات لعابه ... وأرى الجنى اشتارته أيد عوامل

أن "لعاب الأفاعي" مبتدأ "ولعابه" خبر - كما يوهمه الظاهر - أفسدت عليه كلامه، وأبطلت الصورة التي أرادها فيه، وذلك لأن غرض

<<  <   >  >>