التعمق في علم النحو؛ وهذا ما جعل العامة وأشباه العامة لا يكادون يعرفون الفصاحة إلا أنها العلم باللغة، وبأنفس الكلم، وبما طريقه طريق الحفظ، وأن أظهر شيء في معنى الفصاحة - عندهم - هو: تقويم الإعراب والتحفظ من اللحن، وبهذا الفهم الخاطئ لمعن الفصاحة أقبل المعتزلة على تأويل كلام الله تعالى وتفسيره، ولهذا فإن عبد القاهر، قد جأر بالشكوى من تصرفهم هذا، مبينا ما يقصد من صحة الإعراب، ومن قواعد النحو في الفصاحة على النحو التالي:
١ - أن هؤلاء القوم (يقصد المعتزلة) إذ تركوا هذا الشأن (أي علم النحو) تركوه جملة، وإذ زعموا أن قدر المفتقر إلا لقليل منه، اقتصروا على ذلك القليل فلم يأخذوا أنفسهم بالفتوى فيه والتصرف فيما لم يتعلموا منه، ولم يخوضوا في التفسير، ولم يتعاطوا التأويل، لكان البلاء واحداً، ولكانوا إذا لم يبنوا لم يهدموا وإذا لم يصلحوا، لم يكونوا سبباً للفساد، ولكنهم لم يفعلوا، فجلبوا من الداء ما أعيي الطبيب، وحير اللبيب، وانتهى التخليط بما أتوه فيه إلى حد يئس من تلافيه فلم يبق للعارف الذي يكره الشغب إلا التعجب، والسكوت.
وما الآفة العظمى إلا واحدة، وهي أن يجئ من الإنسان أن يجري في لفظه ويمشي له أن يكثر في غير تحصيل، وأن يحسن البناء على غ ير أساس، وأن يقول الشيء لم يقتله علما (١).
٢ - أن المقصود في الفصاحة ليس العلم بالإعراب، ولكن العلم بالوصف الموجب للإعراب؛ كالعلم بما يوجب الفاعلية للشيء إذا كان إيجابها من طريق المجاز، كما في قوله تعالى:"فما ربحت تجارتهم" وكما في