للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قول الفرزدق: (سقتها خروق في المسامع) وغير ذلك مما يجعل الشيء فيه فاعلاً على تأويل يدق، ومن طريق تلطف.

ومن ثم فإنه لا يجوز أن نعتد في شأننا هذا بأن يكون المتكلم قد استعمل من اللغتين في الشيء ما يقال إنه أفصحهما، وبأن يكون قد تحفظ مما تخطئ فيه العامة، ولا بأن يكون قد استعمل الغريب؛ لأن العلم بجميع ذلك لا يعدو أن يكون علماً باللغة، وبأنفس الكلم المفردة، وبما طريقه طريق الحفظ دون ما يستعان عليه بالنظر، ويوصل إليه بإعمال الفكر.

ولئن كانت العامة وأشباه العامة لا يكادون يعرفون الفصاحة غير ذلك، فإن من ضعف النحيزة إخطار مثله في الفكر، وإجراؤه في الذكر، وأنت تزعم أنك ناظر في دلائل الإعجاز (١).

٣ - أنك كلما نظرت وجدت سبب الفساد واحداً، وهو ظنهم الذي ظنوه في اللفظ وجعلهم الأوصاف التي تجري عليه كلها، أوصافاً له في نفسه، ومن حيث هو لفظ، وتركهم أن يميزوا بين ما كان وصفاً له في نفسه، وبين ما كانوا قد أكسبوه إي من أجل أمر عرض في معناه.

ولما كان هذا دأبهم، ثم رأوا الناس وأظهر شيء عندهم في معنى الفصاحة، تقويم الإعراب والتحفظ من اللحن، لم يشكوا أنه ينبغي أن يعتد به في جملة المزايا التي يفاضل بها بين كلام وكلام في الفصاحة وذهب عنهم أن ليس هو من الفصاحة التي يعنينا أمرها في شيء، وأن كلامنا في فصاحة تجب للفظ، لا من أجل شيء يدخل في النطق، ولكن من أجل لطائف تدرك بالفهم (٢).


(١) الدلائل ٢٠٣، ٣٠٣.
(٢) الدلائل ٣٠٦.

<<  <   >  >>