للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجملة الأمر: أنك لا ترى ظناً هو أنأى بصاحبه عن أن يصح له كلام، أو يستمر له نظام، أو تثبت له قدم، أو ينطق منه إلا بالمحال فم، من ظنهم هذا الذي حام بهم حول اللفظ وجعلهم لا يعدونه، ولا يرون للمزية مكاناً دونه.

٤ - أنهم (أي المعتزلة وعلى رأسهم القاضي عبد الجبار) لما جهلوا شأن الصورة، وأن من شأن المعاني أن تختلف عليها الصور، وتحدث فيها خواص ومزايا من بعد أن لا تكون، وضعوا لأنفسهم أساساً، وبنوا على قاعدة، فقالوا: إنه ليس إلا المعنى واللفظ ولا ثالث لهما، وإنه إذا كان كذلك، وجب إذا كان لأحد الكلامين فضيلة، لا تكون للآخر، ثم كان الغرض من أحدهما هو الغرض من صاحبه، أن يكون مرجع تلك الفضيلة إلى اللفظ خاصة، وأن لا يكون لها مرجع إلى المعنى، من حيث أن ذلك - زعموا - يؤدي إلى التناقض، وأن يكون معناهما متغايراً وغير متغاير معاً، ولهذا حملوا كلام العلماء في كل ما نسبوا فيه الفضيلة إلى اللفظ على ظاهره، وأبوا، أن ينظروا في الأوصاف التي أتبعوها نسبتهم الفضيلة إلى اللفظ، مثل قولهم: لفظ متمكن، غير قلق ولا ناب به موضعه، فيعلموا أنهم لم يوجبوا للفظ ما أوجبوه من الفضيلة، وهم يعنون نطق اللسان وأجراس الحروف، ولكن جعلوا - كالمواضعة فيما بينهم - أن يقولوا: اللفظ، وهم يريدون الصورة التي تحدث في المعنى، والخاصية التي حدثت فيه (١).

ويلاحظ أن الذي قال عبارة: (لا يوجد في الكلام إلا اللفظ والمعنى ولا ثالث لهما) هو: أبو هاشم الجبائي أستاذ عبد الجبار، وأوردها عبد الجبار عند حديثه عن إعجاز القرآن (٢).


(١) الدلائل ص ٣٦٨.
(٢) البلاغة تطور وتاريخ ١١٦.

<<  <   >  >>