للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٥ - أنه إذا ثبت أن ليس النظم شيئاً غير توخي معاني النحو وأحكامه فيما بين معاني الكلم، ثبت أن طالب دليل الإعجاز من نظم القرآن، إذا هو لم يطلبه في معاني النحو وأحكامه ووجوهه وفروقه، ولم يعلم أنها معدنه ومعانه وموضعه ومكانه، وأنه لا مستنبط له سواها، وأن لا وجه لطلبه فيما عداها - غاز نفسه بالكذب من الطمع، ومسلم لها إلى الخدع، وأنه إن أبى أن يكون فيها، كان قد أبى أن يكون القرآن معجزاً بنظمه، ولزمه أن يثبت شيئاً آخر يكون القرآن به معجزاً. وأن يلحق بأصحاب الصرفة، فيدفع الإعجاز من أصله، وهذا تقرير لا يدفعه إلا معاند بعد الرجوع عن باطل قد اعتقده عجزاً، والثبات عليه بعد لزوم الحجة جلداً، ومن وضع نفسه في هذه المنزلة كان قد باعدها من الإنسانية (١).

رابعاً: أن المعتزلة - وعلى رأسهم عبد الجبار - كانوا يرفضون فكرة النظم، ولا يعدونها مرجعاً لإعجاز القرآن الكريم، بينما كان الأشاعرة يرجعون إعجاز القرآن إلى نظمه، ولهذا قال عبد الجبار - وهو يرجع الإعجاز إلى الفصاحة. وهي: جزالة اللفظ، وحسن المعنى - على حد تعبيره -: "إن العادة لم تجر إن يختص واحد بنظم دون غيره، فصارت الطرق التي عليها يقع نظم الكلام الفصيح معتادة، كما أن قدر الفصاحة معتاد، فلابد من مزية فيهما، ولذلك لا يصح عندنا (يريد المعتزلة) أن يكون اختصاص القرآن بطريقة في النظم، دون الفصاحة التي هي: جزالة اللفظ وحسن المعنى، ومتى قال القائل: إني وإن اعتبرت طريقة النظم، فلابد من اعتبار المزية في الفصاحة، فقد عاد إلى ما أوردناه" (٢).

خامساً: أن عبد الجبار لم يكن نحوياً، ولم يؤثر عنه أنه قد اشتغل


(١) الدلائل ٤٠٤، ٤٠٥.
(٢) البلاغة تطور وتاريخ ١١٦.

<<  <   >  >>