وإذا ثبت ذلك ثبت أن الصاد عنه صاد عن الجهة التي يطلب منها إعجاز القرآن والصاد عن هذا صاد عن سبيل الله تعالى!
والكلام المنظوم على ضربين: ضرب أنت تقصد منه نفس المعنى الموضوع له في اللغة، وضرب آخر أنت لا تقصد منه هذا المعنى، ولكن تقصد منه معنى آخر يدلك عليه هذا المعنى، وهنا تظهر نظرية البيان (المعنى، ومعنى المعنى)، ومدار معنى المعنى على: الكناية، والمجاز، أي الاستعارة؛ والتمثيل، إذ جاء على حد الاستعارة، وما الكناية، والاستعارة، والتمثيل إلا داخلة تحت النظم، فمنها يحدث، وبه تكون.
ومع أن النقاد قد شبهوا النظم بالنسج، فإن هذا التشبيه ليس دقيقاً، لأنه قد تحدث تأويلات نحوية في النص لا يتغير معها النظم، بخلاف نسج الثوب ونحوه، وبهذا تزل قدم المفسرين للقرآن الذين لم يسبروا غور النحو، ويعرفوا مسائله، في تأويل مثل قوله تعالى:"ولا تقولوا: ثلاثة".
وبهذا يثبت لك أن نظرية النظم، إنما هي لأبي سعيد السيرافي، وليست لغيره.
وأما قول بعض الفضلاء من النقاد، بأن عبد الجبار هو الذي ابتكر النظرية، وأنه كان يعلم بأن المزية في (معاني النحو) وأحكامه: فإننا نرد عليه بما يلي:
أما القول بأن عبد الجبار هو مبتكر النظرية: فإن هذا البحث الذي أثبت أن أفكار الدلائل هي نفس أفكار المناظرة، وأنها جاءت مرتبة حسب ترتيبها فيها، وأن عبد القاهر لم يكد يأتي بفكرة جديدة أخرى في الدلائل غير تلك التي أخذها من المناظرة، دليل على أن عبارة (معاني النحو) التي ابتكرها أبو سعيد السيرافي ابتكاراً، ولم يسبق إليها أحد من قبله، كانت هي المنطلق الذي بني عليه عبد القاهر نظرية النظم.